د. فالح الحمـراني
وسط جائحة فايروس كورونا وغياب الوضوح بشأن استئناف النشاط الاقتصادي، يبدو أن هناك قضية واحدة يتفق عليها المشرعون الأميركيون تتمثل بتوافق الأغلبية العظمى من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس النواب على ضرورة تمديد حظر توريدات الأسلحة لإيران ،
الذي من المقرر أن ينتهي في تشرين الأول القادم. وكتبت مجلة "السياسة الخارجية" في مقال "وقف الحرب الأميركية الإيرانية ، والخيار الفنلندي للعراق": الذي اهتمت به وسائل الإعلام الروسية، أن حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية لممارسة أقصى حدود الضغط على إيران، تنطوي على خطر كبير ، وقد تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط.
وترى المجلة أن ممارسة الولايات المتحدة الضغط على إيران، ودعم القوى الساعية لتغيير النظام فيها ، وفروض القيود على وصول طهران إلى الموارد ، دون تقديم حوافز أو إشارات إيجابية على انه سيتم تشجيعها حين الامتثال لجميع الشروط الضرورية، قد يدفع إيران اللجوء إلى ممارسة الاستفزازات وتوجيه ضربة مباشرة ضد القوات الأميركية (كما حدث بعد اغتيال قائد كتائب القدس قاسم سليماني) أو البدء في تصعيد غير مقصود. وأعادت الأذهان في هذا السياق الى كيف أن الرئيس دونالد ترامب عندما كانت القوارب العسكرية الإيرانية تقترب في نيسان الماضي على بعد أمتار قليلة من السفن الحربية الأميركية في الخليج، غرّد في صفحته على التويتر بأن من الضروري "إسقاط وتدمير" أي سفن إيرانية تلاحق وتتحرش بالسفن الأميركية.
وسيكون بإمكان الولايات المتحدة وإيران، والكلام للمجلة، تجنب المواجهة التي من الممكن أن تتصاعد إلى حرب بالاتفاق على اعتبار العراق دولة محايدة. عندها لن تكون ساحة للصراع لبسط النفوذ ولن يحاول الهيمنة، كما كان في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وتخشى إدارة ترامب من أن إيران قد تزود العراق وسوريا ولبنان بالسلاح بعد استئناف برنامجها النووي. حينها سيكون من الصعب إيقاف طموح ايران في السيطرة على الشرق الأوسط. بيد أن الاقتصاد الإيراني ضعف بسبب العقوبات وانخفاض أسعار النفط. وأن إيران لن تكون بعد اليوم قادرة على إنتاج أسلحة جديدة بكميات كبيرة، حتى لو تم رفع الحصار عنها. إن إيران قد تمتلك أسلحة نووية ، ولكن ، كما أثبت الإطلاق الأخير للقمر الصناعي ، فإنها في الوقت الحالي ، غير قادرة على ربط رأس نووي بصاروخ باليستي.
إن العلاقات الأميركية الإيرانية تدهورت على مدار عدة سنوات ، لكن التوترات بدأت تتصاعد خاصة بعد ان انسحب ترامب من الاتفاق النووي في أيار 2018 وبدأ سياسة ممارسة الضغط الأقصى. واشتد التوتر بعد اغتيال الولايات المتحدة قائد كتائب القدس قاسم سليماني في أوائل كانون الثاني 2020. وأدى ذلك إلى تصعيد حاد بين القوات الأميركية والقوات المدعومة من إيران في العراق.
إن أفضل طريقة لتخفيف التوترات ، وفقاً لمجلة "السياسة الخارجية" ، هي النظر إلى العراق كمنطقة محايدة ، باتباع المثال حول كيفية اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على معاملة فنلندا والنمسا خلال الحرب الباردة. كما عملت ترتيبات مماثلة بشكل جيد مع سويسرا والسويد.
في غضون ذلك رصد تقرير في معهد الشرق الأوسط وجود مؤشرات على تهدئة إيرانية ـ أميركية في العراق، مشيراً إلى إن عملية تشكيل حكومة في العراق ، حسب التقرير، كانت نتيجة لتسوية بين طهران وواشنطن. ولفت إلى أن أول سفيرين استقبلهما رئيس الحكومة العراقية الجديد مصطفى الكاظمي كانا سفيري إيران والولايات المتحدة. وتعتبر الصفقة بين الولايات المتحدة وإيران ، التي ساهمت في تشكيل حكومة عراقية جديدة تعبيراً عن رغبة مشتركة في تجنب التصعيد ، وربما هي الخطوة الأولى لمزيد من الانفراج، على الأقل في الأراضي العراقية. وقال : يوجد دليل غير مباشر على ذلك: فقد انسحب الأميركيون من ست قواعد في العراق ، وعلى هذه الخلفية توقفت الهجمات الصاروخية على أهداف أميركية. كما رحبت الولايات المتحدة بالحكومة الجديدة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ، ووافقت على تمديد ترخيصها لاستيراد العراق الكهرباء من إيران لمدة 120 يوماً.
وعلى صعيد آخر تناول تقرير تحليلي أعدّه خبراء مركز الشرق الأوسط في معهد الأبحاث الستراتيجية التابع لإدارة الرئاسة الروسية ونشر في مجلة " قضايا الستراتيجية الوطنية": صراع القوى الإقليمية النافذة من أجل النفوذ في العراق. واللافت أن التقرير يصنف دول المنطقة بشكل رئيس على أساس انتماءاتها المذهبية "سنية ـ شيعية"، متجاهلاً تماماً الأبعاد الأخرى التي تتفاعل في توجهات هذه الدولة أو تلك، برسم سياساتها الخارجية وتحديد ومصالحها.
وأُشير فيه الى أن التناقضات والخصومة الجيوسياسية في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر إلى حد كبير تسود العلاقات بين القوى الإقليمية الرئيسية الثلاث: إيران الشيعية، وبشكل رئيس المملكة العربية السعودية السنّية على الأغلب، وتركيا التي تجمع بين العقيدة السنّية الأصولية والتقاليد الصوفية، ويشير خبراء الشرق الأوسط في التقرير التحليلي لمجلة القضايا الستراتيجية الوطنية. " التناقضات الخطيرة بين هذه البلدان لها جذور تاريخية عميقة. وهذا واضح في مثال العراق الحديث، الواقع في بلاد ما بين النهرين ، حيث توجد أصول الحضارة الإنسانية".
وبرأي المحللين أن طهران ولغرض صيانة أمنها الوطني بحاجة إلى علاقات حسن جوار وشاملة مع العراق. تريد عراقاً صديقاً لن يبدأ العدوان على إيران، ولن يصبح قاعدة دعم للولايات المتحدة وحلفائها في حال نشوب حرب مع إيران. كما أن التعاون ضروري لضمان أمن الحدود بطول 1500 كيلومتر تقريباً. ويحدد الموقع الجغرافي للعراق أيضاً أهميته لإيران كممر عبور ستراتيجي يسمح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. كما جاء في التقرير. ويشير المستشرقون إلى " أن مصالح المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالعراق تندرج في إطار "الدبلوماسية البراغماتية"، حيث تحاول المملكة تعزيز نفوذها في المنطقة، وفي الوقت نفسه تقليص دور إيران. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى رغبة الرياض في استعادة "الوضع الراهن" ومواقعها، التي فقدته جزئياً بعد تفعيل طهران أدوارها في سوريا ولبنان واليمن. ونسب التقرير الى عدد من المراقبين الأجانب اعتقادهم أن ولي عهد المملكة العربية السعودية وأنصاره في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبحثون عن أي سبل للحد من نفوذ إيران في العالم العربي من دون المواجهة في نزاع عسكري مباشر ، وإنما من خلال محاولة إثارة حرب داخلية.
وتنفذ أنقرة في العلاقات مع العراق ، وفقا للتحليل، عدة مهام مترابطة لخدمة مصالحها. ومن المهم بالنسبة لتركيا ألا تسمح للعراق التمتع بالقوة العسكرية اللازمة حتى لا يعيق عمليات القوات المسلحة التركية في شمالي البلاد ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني. بالإضافة إلى ذلك ، من الأفضل لأنقرة أن يكون العراق شريكاً ضعيفاً لأن ذلك يسهل على تركيا فرض مقاربتها من قضايا تحديد حصص كل دولة المياه في نهر الفرات ودجلة ، وكذلك دعم المكون السنّي! وحماية حقوق التركمان.
وخلص مؤلفو التقرير، الذي اعتمدنا على العرض المقدم له في موقع معهد الأبحاث الستراتيجية، إلى أن العوامل المهمة ما زالت تنحصر في طموح اللاعبين النافذين والمنافسة ذات الصلة بينهم الرامي لتحقيق مكانة رائدة في الشرق الأوسط. وقال : « إن لإيران والسعودية وتركيا مصالح متنوعة في العراق. وهي تستند بشكل أساس على التطلعات الطبيعية لكل من القوى الإقليمية لضمان أمن حدودها ، ونشر النفوذ السياسي والديني ، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية.