علي حسين
بمنتهى الكرم والأريحية من السيد أثيل النجيفي، احد رواد الديمقراطية في العراق، أن يطلب من العراقيين الذين عاشوا 17 عامًا من الخراب، أن يذهبوا إلى صناديق الانتخابات حتى ولو اضطر الأمر إلى أخذهم بالقوة، ونحمد الله على أنه لم يقترح على الأجهزة الأمنية اعتقال كل مواطن لا يضع في صندوق الانتخابات صورة أثيل النجيفي ومعها شقيقه أسامة النجيفي..
عندما كتب الأيرلندي جيمس جويس روايته الأخيرة "يقظة فينيجان"، يقال أنّ عدد الذين فهموها لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولأننا شعب يحبّ المنافسة ويطلب العلا ويسهر بانتظار بزوغ شمس الكتلة الكبرى، كان لا بد من أن نقدم للعالم سياسيين لا يفهمهم أحد.
أعود لمقولة السيد اثيل النجيفي التي يقول فيها وبالحرف الواحد: أن "الوضع الانتخابي في العراق يحتاج إلى تشريع قانون المشاركة الإجبارية في الانتخابات وتحميل المتخلفين عنها عقوبة أو غرامة"، مضيفًا سيادته أن "بناء الدول لن يكون بإهمال المواطنين للانتخابات والبحث عن بدائل غير ديمقراطية للتغيير".
في كل يوم أقرأ تصريحات الكثير من سياسيينا الذين لا يتوقفون عن إطلاق الجمل النارية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، يخدعون الناس بكلام معسول ثم يفاجئونهم بالفشل في أول امتحان حقيقي للديمقراطية، سياسيون يطنطنون بكل المصطلحات الوطنية والشعارات الحماسية، نحسبهم أسودا في مواجهة الفساد والتحزب الطائفي ثم نفاجأ بأنهم ليسوا أكثر من نعامات تخفي رؤوسها في الرمال ولا تخرجها إلا عندما يأمر زعماء الطوائف، يدعون أن حياتهم مكرسة من أجل حقوق الإنسان، وأن النوم يجافي عيونهم حتى تتوقف الانتهاكات وتشرق شمس الحرية والعدالة الاجتماعية، ويزداد سطوع النزاهة والشفافية، ثم نكتشف أن كل ما يهمهم في الحياة هو الحصول على الدولار واليورو والريال والتومان والليرة وحتى الكرونه الدنماركية، يحترفون التنقل من القومية إلى الاشتراكية إلى شقيقتها الماوية وصولًا إلى رأسمالية ريغان قبل أن يستقر بهم الحال منظرين لقوانين الحشمة والعفة والأخلاق، يملأون الدنيا، صخبًا وضجيجًا، عن المساواة والعدالة ونبذ الطائفية والمحاصصة السياسية وتجدهم أول المنتهكين للعدالة، يقفون كالمتسولين في باب الطائفية طمعًا في منصب ونفوذ، سياسيون يلعبون على كل الحبال، يطلقون غازات ثقيلة من الخطب والشعارات والبيانات التي تملأ فضاء السياسة وأظن أن كلام اثيل النجيفي لا يصدر إلا عن رجل يعشق الكوميديا ويمارسها.
بيان النجيفي الأخير يكشف إلى أي مدى يمارس بعض الساسة ألوانا مبتكرة من خداع الذات، والأخطر أنهم يعيشون مرحلة غير مسبوقة من الانفصال عن مشكلات الناس وهمومهم، ومن ثم لا نعرف متى يتحدث النجيفي بجد ومتى يحول الجد إلى منافسة لبرنامج رامز جلال " مجنون رسمي جدا" .
جميع التعليقات 1
Khalid Muften
ا.علي حسين . مزيدا من المسامير المدببة التي تدقها بعناية في نعوش الفاسدين وسراق المال العام .