علي حسين
كنت، ولم أزل، مجرد كاتب يحاول أن يلاحق الأحداث في هذه البلاد، ويحاسب نفسه أين أخطأ وأين أصاب؟ وهل أحسن التعامل مع الوقت؟ مثل هذه الأسئلة تساعد الصحفي الذي يبحر كل يوم مع القارئ آملًا أن يحمل إليه ما هو أفضل، وبالتأكيد الأفضل ليس من نوعية الأخبار التي يقول أصحابها إن جماعة عراقية تصر على أن تشارك في الحكومة، لكنها في الليل تطلق الصواريخ على المنطقة الخضراء احتفالا بالعيد.
في أيام العيد نفسها من حق المواطن أن يسأل إن كانت حكومته جادة في تحقيق الخطط التي وعدت بها وعن الطريقة التي تتعامل بها مع الوقت والمال العام ومصالح المواطنين والاستعداد للمستقبل في ظل وباء كورونا .
ولأننا في أيام عيد، أتمنى أن أستيقظ ذات يوم، فلا أجد في نشرات الأخبار خبرًا يتعلق بالاستحقاق الطائفي، ليست عندي ياسادة من مقترحات غير التمني، وهي بضاعة المفلسين في عصر ظل يستمد معارفه وعلومه من مكتبة إبراهيم الجعفري التي لا أدري أين حلّ بها الدهر، بعد أن عاد الجعفري إلى موطنه الأول "بريطانيا"، لذلك تجدني أحيانًا أهرب إلى الكتب، وأصدع رؤوسكم بحكايات مؤلفيها، وأتغنى بخصال أفلاطون وروسو ونجيب محفوظ، لأن واقعنا ياسادة أصبح مجرد استعراض لخطب ساسة بلا لون ولا طعم.
سيقول البعض: بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيد، لكنه يعود ياسادة وسيكون فيه تجديد برغم وساوس عمّنا المتنبي وتشاؤمه، فمثلما يريد البعض لهذا الوطن أن يكون ضحية لمطامحه وقربانًا لدول الجوار، فإن هذا الشعب لايمكن أن يواصل الرضوخ ليقدم كل عام أضحية، وتسرق آماله ومستقبله وأحلامه. فليواصل الكاذبون كذبهم، كما يشاءون، ويستمر المضحوك عليهم في استقبال مزيد من الحكايات الكوميدية عن الإصلاح والنزاهة، أما نحن فسنغسل أحزاننا ونحوّل الخيبات والأكاذيب إلى انتصارات ومباهج.
هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتحول إلى مخيمات للاجئين والمشردين، وأرقام سعيدة للسلاح الذي بيد الدولة والذي ترى فيها الحكومة أنه يبهج الشعب الذي يعاني أيضا من شعار"البطالة حتى الموت". تقول أرقامنا السعيدة إنّ نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت الـ 40 بالمئة.
يبتسم الأديب الياباني هوراكي موراكامي حين تسأله صحيفة نيويورك تايمز عن مغزى رواياته وحكاياتها العجيبة قائلًا :"أنا أحذّر من مجتمع لا قيمة فيه للعمل المخلص والنقي".
في كل الأحوال، وبرغم الحال التي يعود فيها هذا العيد وإبراهيم الجعفري ومكتبته "العامرة" ولغته السنسكريتية، غائبون عن الأنظار واللأسماع، ومع شغفي بعمّنا أبي الطيب، أقول لكم: كل عام وأنتم على عتبة أيام أفضل لا تسمعون فيها صراخ عالية نصيف.