رعد العراقي
مؤيد البدري (86 عاماً).. قصة حياة مليئة بالعطاء ورصانة الكلمة وأمانة المسؤولية التي حملها طوال مشواره الوظيفي، بصفة أمين صندوق الاتحاد العراقي لكرة القدم، ومدير عام الرياضة المدرسية 1962 - 1984، ومدير الألعاب الرياضية في وزارة الشباب 1962 - 1984،
واستاذ في كلية التربية الرياضية جامعة بغداد، وسكرتير الاتحاد العراقي لكرة القدم 1970- 1977، ورئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم في 1977 ، 1980 و 1988، وكاتب في عديد الصحف والمجلات، مقدم برنامج (الرياضة في اسبوع) منذ عام 1963 لغاية 1993 حين تألق في إهداء العائلة العراقية أجمل برامج الرياضة يترقبه الجميع عند الساعة التاسعة من مساء كل يوم ثلاثاء ليستمتعوا بعفوية التقديم وسلاسة الأداء ومتعة الأخبار والمقابلات.
نجاح البرنامج ارتبط بشخصية البدري المهنية التي تجذّرت بعمق في ساحة الرياضة بعد أن جمع بين العلم الأكاديمي والعمل الإداري الذي وضع بصمته المميّزة خلال اشغاله المناصب في اتحاد الكرة اضافة الى براعته في الجانب الإعلامي واعتلاء منصّة المعلقين بلا منازع كأول شخص يؤدي تلك المهمة في تاريخ المهنة.
ومع توقف بث برنامج (الرياضة في اسبوع) عام 1993 غادر البدري أرض الوطن أواسط تسعينيات القرن الماضي، واستقرّ به الحال في دولة قطر الشقيقة التي تدرك جيداً كنز الخبرة الرياضية والكفاءة العالية التي تتوافر في شخصيته، لتتسابق الأندية على الاستعانة به في وضع الخطط الإدارية وكان من نصيب النادي العربي الذي رسم له ملامح الإدارة والتنظيم وقدّم له خلاصة جهده بإتقان وحرص.
أكاد أجزم أن الرجل اصبح ظاهرة ارتبطت بمحبّة الناس له التي أدركت فيض الحب الذي يكتنز دواخله للوطن والشعب، فبادلته المحبّة وحرصتْ على تتبّع كل أخباره، وإن كان بعيداً عنها.. وفي المقابل كان البدري أكثر حرصاً على التواصل عبر كل أحاديثه ولقاءاته، بل تواصل بمقالات رصينة هادفة اختار أن تكون (المدى) الصحيفة الوحيدة من بين صحف الداخل اضافة الى مجلة (حوار سبورت) الشهرية الصادرة عن مؤسسة المدى التي واصل الكتابة فيهما منذ عام 2008 لغاية 2014.
ولأن للعمر أحكام، فقد فرضَ على الفارس أن يترجّل من صهوة جواده ليستريح من تعب السنين ويداوي آلام مرضه الذي أخذ منه الكثير، فاعتزل العمل ولم يفارق بيته واسرته التي حرصت على تقديم الرعاية الصحية له، إلا أن محبيه وزملاءه لم ينقطعوا عن زيارته باستمرار وتفقّد احواله، وهو ما سبّب الإحراج حسب اعتقادنا لعائلته التي كانت تعاني بين ضرورة أن توفّر له الأجواء الهادئة وبين صعوبة الاعتذار عن استقبال الزائرين له، فيما تسبّبت إحدى زيارات زميل قديم له في إحداث ردّة فعل سلبية عندما نشر على موقع التواصل الاجتماعي صورة غير مناسبة وغير مقبولة للبدري وهو يظهر عليه التعب الشديد بملابس البيت ولا نعرف الغاية من نشرها، وهل هي مقصودة أم لجهل ناشرها، وهل كان سيقبل أن يظهر أمام الناس بالصورة نفسها؟!
بعد قساوة نشر الصورة وضرورة أن يواصل البدري علاجه الذي يُكلّف عائلته مبالغ كبيرة في قطر، ارتأت اسرته نقله الى لندن والاستقرار هناك لمواصلة رعايته بعيداً عن أي تأثيرات نفسية، وهو ما سبّب ندرة الاخبار عنه، وعدم دقّة ما تتناوله بعض وسائل الإعلام في ظل عدم إمكانية تفقّد زملائه مباشرة، باستثناء صديق العمر اللاعب الدولي السابق هشام عطا عجاج تواصل معه في جميع الظروف ولم يتخلّ عنه بعكس آخرين لم يحسنوا الوفاء لتاريخهم معه!
ما يحزن في الأمر، أن هناك انفلاتا فكريا هجينا اجتاح بعض عقول من يتعمّد نشر أخبار مزيّفة عن رحيل البدري، تكرّرت أكثر من مرّة في إصرار غريب يفقد ناشره كل مفاهيم الانسانية وتحوّله الى وحش يفترس مشاعر محبي البدري وعائلته الكريمة، فالموت إن حضر لا مفرّ للجميع منه إن كان طفلاً أم كهلاً، لكن تحدّي القدر والاستهانة بنشر الأكاذيب والتلاعب بالعواطف لا أظنها إلا إثماً ووضاعة ستبقى وسماً يُخزي وجوه من يصرّ على ارتكاب تلك الأفعال المشينة.
سيظل البدري ساطعاً بتاريخه، وراسخاً في قلوب محبيه، لا يحجبه ضباب لندن مهما طال غيابه، وستبقى الأعمار بيد الله، وسنبقى مؤمنين بقدره، وليس لنا سوى الدعاء لأبي زيدون بتمام الصحة والعافية.. تلك هي الرسالة التي لا بدّ أن يفهمها المُسيئون!