TOP

جريدة المدى > عام > جون كيتس في الحجر الصحي.. تفاصيل مؤثرة قبل وفاته المأساوية في سن الخامسة والعشرين

جون كيتس في الحجر الصحي.. تفاصيل مؤثرة قبل وفاته المأساوية في سن الخامسة والعشرين

نشر في: 6 يونيو, 2020: 05:26 م

ترجمة: أحمد فاضل

في أكتوبر / تشرين الأول 1820 ، اندلع التيفوس في نابولي بإيطاليا ، حينما كان الشاعر البريطاني جون كيتس مع صديقه الفنان جوزيف سيفيرن هناك ، كانت رحلته هذه خارج إنكلترا هرباً من برودة الجو ،

إلى المناخ المشمس في إيطاليا بسبب سعاله الذي كان يزداد سوءاً بشكل مطرد ، منذ ذلك الصباح الذي شهد فيه بقعة دم على وسادته ، كان يعلم أنه ليس لديه فرصة تذكر للنجاة من هذا المرض الذي غزا رئتيه ، فكانت محاولته الأخيرة الذهاب إلى روما ، لكن دون أن يشعر أنه سيكون منفاه الأخير هناك .

وهو يصور في إحدى كتاباته كيف عاش لحظات ذلك الحجر القسري الذي امتد طوال أكثر من عشرة أيام قبل أن يرحل إلى الأبدية ، وكأنه يكتب آخر كلماته :

" لقد رأيت نابولي ،كأنها سفينة رأسية بالقرب من البحر ، واحدة من أكثر المواقع جمالاً وهي تطل على الساحل بعرائش المشمش ، القرمزي ، السماوي والورد الأزرق ، أما فيزوف فهو يرنو إليها دون أن يعكر صفوها بحممه ، أما أنا :

قد تبدو 10 أيام من الحجر القسري حرماناً منها ، جمالها ، مياهها وكل ما فيها من أماكن " .

أتخيل أن كُتاب السيرة الذاتية المستقبليين ممتنون لأن كيتس استغرق الأيام القليلة تلك ، في كتابة رسائل موجزة عن نشأته التي لم يحبها على الإطلاق ، حيث كان يتوقع أن يموت في كل لحظة منذ ولادته بسبب مرضه ، وعدم الاستقرار ، والفقر ، والمعارك المستمرة مع المتنمرين الذين كانوا يضايقونه بسبب " حجمه القصير " ، وبعد مرحلة شبابه المبكر الصعب والمأساوي ، حاول التدرب على قهر المرض الذي ألم به ، كانت تجربة شنيعة ، تلتها سنوات تدريب أخرى في مستشفى جاي ، يومها وقع في حب الشعر وقضى كل وقت فراغه في الدراسة ، حيث شق طريقه إلى الحياة الأدبية وأراد فقط أن يكون اسمه " بين الشعراء الإنكليز الأكثر شهرة " .

وأنا أقرأ رسائله أدهشتني فترة وجيزة من حجره الصحي ، كان كيتس ، البالغ من العمر 25 عاماً تقريباً آنذاك ، لديه أربعة أشهر فقط للعيش وشعر بأنه وهو يكتب :

" غير ذي أهمية ، كما لو كان وجودي بالكامل يعني وفاتي ". بالنسبة للقراء الكثيرين مثلي ، فإن قصة حياته ستكون لها وجود أبدي أيضاً ، فمن رسائله في حجره الصحي نجت رسالة معنونة للسيدة براون والدة فاني الشابة التي أحبها والتي لن يراها مرة أخرى ، كتب يقول :

" يا له من حساب ، يمكنني أن أعطيكِ من خليج نابولي إذا استطعت أن أشعر مرة أخرى بأنني مواطن في هذا العالم ، أعطي حبي لفاني وأخبرها ، هناك ما يكفي في هذا الميناء لملء كمية من الورق ، ولكن يبدو وكأنه حلم " .

أربع أوراق كبيرة مطوية لإنشاء 24 صفحة ، تخيل أنه قام بتغطيتها بأوصاف للمدينة القريبة جداً على المياه المتلألئة ، نابولي قمر يتأرجح ، يلقي بريقاً فضياً على القباب ، الأجراس البعيدة التي يتردد صداها في البحر ، الهواء الرطب الدافئ الذي يجعله يتنفس بعمق ، في الحجر الصحي ، واجه توقفاً كاملاً ، وجد رغبة جامحة في الحياة ، ترك وراءه الشاب المليء بالحيوية والرومانسية ، الذي تودد إلى الكآبة في قصائده ، الآن ، ها هو هذا الخليج الرائع لا توجد طاقة على الكتابة عبره .

في رسالة مكتوبة بعد وقت قصير من نزله هناك ، كان ذعره يضرب مثل طائر عالق في غرفة ، لا يمكنه أن يتخيل أنه لن يرى فاني مرة أخرى :

" أخشى أن أكتب لها - لتلقي رسالة منها - لرؤية خط يدها من شأنه أن يحطم قلبي ، حتى أن اسمها على أي حال ، المكتوب سيكون أكثر مما أتحمله " .

عبر 200 سنة ، لا يزال القلق يتذبذبني ، أتساءل عما إذا كان شعره قد تغير ، أتطلع إلى ما أسماه كيتس بالقدرة السلبية ، عندما يكون المرء :

" قادراً على أن يكون في حالة من عدم اليقين ، أو الألغاز ، أو الشكوك ، دون أي توصل عصبي بعد الحقائق والأسباب " .

في النهاية ، هذه هي وجهة نظري ، يمكن أن تتغير الحقائق والأسباب التي جعلت ذلك الحِجر الذي عاشه كيتس ومنه رحل ، يترك كل تلك القصائد والخطابات ، تحمل كل هذا الخلود .

* فرانسيس مايز، أستاذة جامعية أمريكية وشاعرة وكاتبة مقالات وروائية ، ولدت ونشأت في فيتزجيرالد ، جورجيا ، حصلت على درجة البكالوريوس من جامعة فلوريدا ، في عام 1975 حصلت على درجة الماجستير من جامعة ولاية سان فرانسيسكو ، حيث أصبحت في النهاية أستاذاً للكتابة الإبداعية ، ومديرة مركز الشعر ، ورئيساً لقسم الكتابة الإبداعية ، الآن وهي تكتب بدوام كامل ، هي وزوجها الشاعر يقسمان وقتهما بين منازل في هيلزبورو ونورث كارولينا وكورتونا بإيطاليا ، حيث تعمل كمدير فني لمهرجان توسكان صن السنوي .

عن / صحيفة الإندبندنت البريطانية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

انتقائية باختين والثقافة الشعبية
عام

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

د. نادية هناوي يُعدُّ ميخائيل باختين واحدا من النقاد الغربيين المهتمين بدراسة السرد الأوروبي الشعبي، لكنه في كتابه (أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية في العصر الوسيط وأبان عصر النهضة) يعد الأول الذي خص أعمال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram