عدوية الهلالي
هل راودكم نفس شعوري بأن الفيس بوك تحول الى مقبرة ؟ لن اتهم فايروس كورونا بقتل العراقيين عن سبق إصرار وترصّد ، فهو مجرد ضيف ثقيل حل على كل العالم فوجد من يطرده شر طرده الى خارج الحدود ، ومن يمنعه من دخول المنزل على الأقل ، ووجد أيضاً من يترك له الحدود مفتوحة لاستقباله ، أو يترك المنزل ويخرج للترحيب به ..
لقد عرفنا الموت قبل ظهور الفيس بوك وقبل انتشار الفايروس ،وامتلأت مقابرنا بالأجساد الغضة الفتية لمن شارك في الحروب أو رفض العيش صامتاً في زمن الحروب ، بل إنها امتلأت أيضاً بأجساد أطفال لم يعرفوا بعد معنى الحياة وكان كل ذنبهم هو فقدان الدواء في زمن الحصار ، وتدرّج الموت ليصبح أكثر قرباً منا فيلم يعد حكراً على جبهات القتال ومستشفيات الأطفال ..صرنا نجده في الشوارع والأسواق ويزورنا في بيوتنا أو مركباتنا أو مقرات عملنا ،إذ يكفي أن توضع عبوة ناسفة في مكان ما ، أو تتخطى مركبة ملغومة سيطرات التفتيش ليصبح الموت مجانياً أكثر وأكثر ..
وبعد أن كنا نقرأ كتب التاريخ فنلعن هولاكو و( الشمر ) والحجاج وكل من لون الأرض بدماء الأبرياء ، صرنا نرى جنوداً يتم اقتيادهم وذبحهم بالمئات في مجزرة لامثيل لها في التاريخ لدرجة إننا كرهنا التكنولوجيا لأنها جعلتنا نرى صوراً وأفلاماً حية بعد أن كنا نقرأ ونتخيل فقط ..سيظل العراقيون يتذكرون ( سبايكر ) كما يتذكرون المقابر الجماعية وضحايا داعش ووجوه المتظاهرين الجميلة التي حولت الفيس بوك الى مقبرة قبل أن يأتي كورونا ليمنحه مسحة جنائزية من نوع جديد ، إذ صرنا نعزي بالموتى أكثر مما نعلق على عمل إبداعي أو مناسبة مفرحة ، وإن كان شهداء التظاهرات قد واجهوا الموت وتوقعنا رحيلهم فإن ضحايا كورونا هم أنا ، وأنت ، وأحبائي ، واحبتك ، وممن لايخطر في بالنا فراقهم لأن هذا الفايروس يصطاد ضحاياه لا على التعيين وينتظر منا فقط أن نرحب به ليحل علينا ضيفاً ويختطف من يشاء ..
أمس ، سمعت عن مسؤول تشاجر مع أطباء في مستشفى لدى استلامه جثة شقيقه واعتدى عليهم بالضرب ، وسمعت أيضاً عن مسؤول زار محافظته ليقيم فيها احتفالا ويقيم الولائم ويدعو الأهالي ، ومن لايحضر فهو ليس من بطانته بالتأكيد وقد لاتطاله العناية البرلمانية عندما يحتاجها ..ماذا يعني ذلك ؟ إن المسؤول ( القدوة ) هو أول من يرحب بزيارة كورونا ويسهم في ازدهار الموت ؟ ..وإن المواطن الذي يسخر من خطورة المرض ويبحث عن المنشأ، وإن كان مؤامرة أو حرباً جرثومية أو كذبة إعلامية دون أن يحمي نفسه وعائلته فأنه يسهم أيضاً في زيادة الموتى في مقبرة الفيس بوك والمقبرة الحقيقية ..
بالمقابل ، هناك من اختار مواجهة الجائحة بمنح فرصة حياة للآخرين بعد أن واجه الموت فالموت ليس هو الخسارة الكبرى ، بل مايموت فينا ونحن أحياء – كما يقول الماغوط- وهؤلاء اختاروا أن يظلوا أحياء ليس بشفائهم من المرض فقط بل لتبرعهم للآخرين ب( البلازما ) التي تمنحهم الشفاء ..لقد دأبنا على مصارعة الموت ومحاولة الانتصار عليه ولن أقول إننا سننتصر على الفايروس نهائياً لكننا سنقاومه بالتمسك بالحياة وبإحياء مشاعرالحب والتعاون مع الآخرين فهي ماستشعرنا بأننا أحياء ،وسط كل هذا الموت ..