TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الانظمة الفاشلة

العمود الثامن: الانظمة الفاشلة

نشر في: 20 يونيو, 2020: 08:41 م

 علي حسين

ما هي المسافة التي قطعها النظام الجديد في العراق خلال السبعة عشر سنة الماضية؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم ، تثبت لنا تجارب الشعوب المدى الذي يمكن أن يصل اليه الفعل البشري، حين تتظافر الجهود والنيات الصادقة في بناء وتطور الأوطان.

أليس مذهلًا ومثيرًا، ونحن نقلب صفحات التاريخ، أن نجد رجلًا مثل دنغ شياو بينغ، خليفة ماو، يطلب مساعدة زعيم دولة في حجم سنغافورة، لنقل تجربتها إلى الصين؟ سنفاجأ، أن بنغ كان يذهب بنفسه سرًا للقاء لي كوان ليطلب مشورته، ونعرف، أن التحول الصيني، الذي قد يصبح أهم حدث في التاريخ المعاصر، كان من عمل رجلين ماركسيين. أحدهما زعيم أكبر حزب شيوعي، والثاني كان ينتمي إلى جناح ماركسي في جنوبي سنغافورة. يقول دنغ "إذا أردت أن تعبر النهر عليك أن تتحسس الأحجار التي في أعماقة كي تتمكن من العبور بأمان". تقوم تجارب الشعوب الناجحة على نكران الذات والمشاركة الفاعلة في بناء البلاد وصدق المشاعر الإنسانية، فيما تقوم تجارب الأنظمة الفاشلة على الجروح التي تتركها على جسد الوطن. 

قبل 50 عامًا نفى ديغول نفسه إلى قرية في الجنوب كي يكون بعيدًا عن مجرى الأحداث التي عصفت بالبلاد عام 1968، فقبلها حاول حل الأزمة باقتراح إصلاحات، داعيًا الشعب الفرنسي إلى استفتاء عليها، مؤكدًا أنه سيستقيل من منصبه إذا لم يوافق الشعب على تلك الإصلاحات. وقد جرى ذلك الاستفتاء، وكانت نتيجته سقوط الاقتراحات، ووفى ديغول بوعده فاستقال في اليوم التالي، لتبقى منزلته في عقول الآخرين، منزلة الوفاء للسياسي والأخلاقي والعسكري الذي لم يطلق رصاصة واحدة في وجه معارضيه. كم بدا غريبًا أن نقرأ عن رجل ظل يقدس حياة العائلة، يكتب من منفاه الاختياري الرسائل إلى أحفاده يوصيهم، "لا شيء أهم من فرنسا مستقرة"، هناك لا يملك أكثر من ثمن منديل يهديه إلى زوجته، حيث يزوره طبيب القرية ويمازح الفلاحين حول محاصيلهم، ويجلس ليكتب، أهم ما خطه سياسي في التاريخ، مذكراته التي أسماها "مذكرات الأمل"، الأمل بفرنسا أكثر تطورًا وازدهارًا وعافية، برغم جحودها مع الرجل العجوز. كان ديغول محاطًا بالكاتبين أندريه مالرو وفرنسوا مورياك. ولكن في الخارج كان كاتب آخر يكيل النقد لسيد الإليزيه، فما انفك سارتر يحارب ديغول ويسخر منه، مواجهة حادة بين عبقرية الفكر وعبقرية السياسة، كان فيها ديغول يحترم سارتر وحين أصبح الأخير رمزًا يلهب مشاعر الطلبة ويقود أعنف التظاهرات وحين امتلأت صحف فرنسا بصور سارتر يوزع المنشورات ضد نظام الحكم، طالب عدد من القادة الأمنيين والوزراء بسجنه، رد عليهم ديغول، بعبارته الشهيرة "لا أحد يسجن فولتير، هل يمكن أن نضع فرنسا في السجن؟" .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram