TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: نعال عديلة

العمود الثامن: نعال عديلة

نشر في: 24 يونيو, 2020: 09:23 م

 علي حسين

تخيل جنابك أن مسؤولًا في إحدى الجماعات المسلحة يغرد فرحًا بعد تفجير محلات في الكرادة ، ويهنئ الذين قاموا بالعمل، فيما الدولة بكل أجهزتها الأمنية عاجزة عن محاسبة المحرضين على العنف، بل حتى انها تخشى سؤالهم: لماذا تعبثون بالأمن؟ . هل هناك أمور أقسى؟ نعم الصور المؤلمة 

التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي لمرضى محافظة الناصرية وهم يفقدون حياتهم بسبب نقص في مادة الأوكسجين، في الوقت الذي صرفت الوزيرة المؤمنة السابقة عديلة حمود مبلغ ما يقارب الـ900 مليون دولار لشراء نعال طبي، وكان يمكن بهذا المبلغ بناء 20 مستوصفًا صحيًا. والأقسى من المشاهد المؤلمة لمرضى الناصرية، الصمت الذي مارسته وزارة الصحة بكل "أريحية" ، وكأن الأمر يجري في الصومال وليس في محافظة عراقية، والأقسى من كل ذلك أننا من جديد نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنّ المواطن بلا ثمن، ولا أهمية، مجرّد رقم يضاف إلى سجلات الموتى. 

كنت أتوهم أنّ موت مواطن عراقي بسبب الفساد والإهمال، كفيل بتحريك قليل من مشاعر الألم والندم لدى مسؤولينا الأشاوس، غير أنّ كل ما اهتموا به هو بيانات تدافع عن حق رافع العيساوي في العودة الى " الصف الوطني " !! .

أعلم أنه من قبيل التكرار الممل أن نذكر وزراء في دول محترمة يقدمون على الانتحار إذا وقعت في دائرة اختصاصهم حوادث بسيطة، أو أن مسؤولين كبارًا يرحلون في كوارث أصغر حجمًا من ذلك، يفوز النموذج الانساني بقيمه الاجتماعية والوطنية الحقيقية، فيما نخسر بنماذج تريد لنا أن نعيش مع الخراب، من يفتح سجل السنوات السبعة عشر الماضية ؟ من يقول لنا لماذا تحول العراق إلى دولةٍ أصابها الإفلاس، وتربعت على عرش الدول الأكثر فسادًا وخرابًا؟ من يحاسب مسؤولين في دولة سلكت نهج عصابات السلب والنهب؟ كيف استطاع عديلة حمود أن تتحدث عن النزاهة في دولة تستورد النعال بدلا من الاجهزة الطبية المتطورة .

دائمًا ما يلومني قرّاء أعزّاء وهم يقولون بمحبّة: هل تتوقع أنّ ساستنا ومسؤولينا يقرأون؟ وأنهم سيطيلون النظر في سطورك التي تَحشيها بتجارب الشعوب؟ ، ماذا افعل ياسادة وانا ارى الذين أبادوا مدنيّة الدولة، طاردوا الكفاءات، ووضعونا على سلّم البؤس، وأدخلونا باريحية موسوعة غينيس في عدد الشهداء والمهجّرين. يجلسون ويتضاحكون ويقررون التقاط صورة فوتوغرافية، لكي يطمئن الشعب أنْ لاسبيل أمامه سوى الإذعان لصوت "الزعماء الملهمين"، وفي كلّ مرة كانت الناس تبتسم بسعادة وتذهب إلى صناديق الاقتراع لتنتخب جماعتها. 

الكارثة الحقيقية ليست في انتشار وباء كورونا ، بل في انتشار منهج الاستخفاف بالمواطن ، حتى بات العراق يواجه الوباء بـ " نعل " عديلة ، التي اضافت الى رصيد عائلتها عشرات الملايين من الدولارات .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram