اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: الأوزّات الطليقات

باليت المدى: الأوزّات الطليقات

نشر في: 12 يوليو, 2020: 07:15 م

 ستار كاووش

ما أريد كتابته اليوم قد يبدو بسيطاً جداً، لكن رغم ذلك أعتبره أساساً وحافزاً لحياتي التي تمضي بعيداً، هنا في شمالي العالم. إنه يتعلق بالصداقة، هذه الكلمة السحرية التي تربطنا بالآخرين، والتي علينا أن نجيد تكوينها وأيضاً صياغتها، بل صناعتها بإتقان.

ورغم انها أعظم دروسنا في الحياة، لكن الناس يتمسكون بها بطرق مختلفة، وهم يفعلون ذلك وكأنهم يمسكون بحبل إرجوحة تحمل على متنها هذه الصداقة، فمنهم من يطوحها بعيداً حتى يفقد من يستقر عليها صوابه، وآخر يهزها ببرود ودون اهتمام يذكر، لتظل تراوح في مكانها دون مشاعر ولا أحاسيس، وثالث يعرف كيفية الإمساك بحبلها جيداً، وهو يترنم معها كما تُعزف الموسيقـى وبإيقاع متناغم، الصداقة تشبه زهرة صغيرة تستقر في مزهرية ملونة بواحدة من زوايا البيت، وعلينا الاعتناء بهذه الزهرة اليانعة وسقيها، كي تنمو وتكبر ويشرق لونها الحقيقي للعيان، وذلك لا يكلفنا سوى بعض الاهتمام والمحبة واللطف، فالصداقة لا تأتي وتكتمل بشكل عفوي وعارض وتبقى الى الأبد، بل علينا أن نضع عليها توقيعنا الشخصي ونجتهد في تكوينها كما تصنع الحلوى اللذيذة ومثلما ترسم اللوحات الجميلة. 

تجمعني بالهولنديين صداقات رائعة ومتشعبة ومع كل المستويات، من الرسامين الى سائقي الشاحنات ومن الفلاحين الى الشعراء ومن أصحاب الحانات الى المتقاعدين، صداقات ومعارف عديدة ومختلفة ربطتني بالناس هنا. لكن مع غمرة هذه الصداقات هناك مجموعة صغيرة تتكون من أربعة أشخاص هم الأقرب اليَّ، ومع هؤلاء الأربعة أعود لطفولتي ومرحي وعفويتي التي تنسيني إياها أحياناً مشاغل الحياة. وغالباً ما نقوم نحن الخمسة برحلات وزيارات ولقاءات ومشاهدات. سنوات طويلة من العذوبة والتواصل، بل التماهي والانغماس بالصداقة، تماهي جعلنا نطلق على المجموعة اسماً معيناً بين فترة وأخرى، وحسب ما يقع بين أيدينا من تسميات تشير الى بعض الوقائع والتفاصيل المشتركة بيننا، فالأسم الأول كان (فرسان الريح) وقد أخذناه من اسم مسرحية عظيمة شاهدناها معاً وتحمل ذات الأسم، ثم جاء اسم جنود البرتقال، بعد حضورنا العرض الموسيقي (الجندي البرتقالي)، أما الأسم الأخير الذي أطلقناه على المجموعة منذ أكثر من سنة، فهو (الأوزّات الطليقات)، وهذا جاء من خلال نوع من النبيذ يحمل ذات الأسم، كنت قد عثرتُ عليه بالمصادفة في أحد المتاجر، وعرفتهم به، ليصبح النبيذ المفضل لدينا ولا تكتمل لقاءاتنا الآن بدونه، هذه اللقاءات التي يتحول كل شيء فيها الى مرح وضحك وانتصار للمحبة وإنتشاء بالصداقة، وكأننا نعيد صياغة مسلسل (الأصدقاء) لكن بعمر أكبر وشكل مختلف، فليس هناك تأخر بالمحبة، والتأخير الوحيد الذي يمكن أن يحدث، هو حين لا نحب أبداً. 

والأوزات الطليقات تتكون من الشقيقتان هيكا ويانكا والصديق فيخر وزوجتي أليس وأنا. نجتمع كل مرة في بيت أحدنا لنسقي هذه الصداقة ونديمها، أو نذهب معاً لرؤية مسرحية في شمالي البلاد أو شرقها، نزور معرضاً هنا ونحضر حفلة موسيقية هناك، نستأجر كرافانات في واحدة من جزر هولندا في بحر الشمال، ونعيش أجواء مهرجانات الموسيقى التي تقام كثيراً في البلد، أما في افتتاحات معارضي فجماعة (الأوزات الطليقات) هم أول الحاضرين، وآخر الخارجين طبعاً، لنمضي بعدها معاً لتكملة السهرة في المرسم. أنا من يبتكر وجبات الطعام عادة، وأفكر في إعداد بعض الأطباق الصغيرة التي تفترش مائدة السهرة، بينما تعطي هيكا نصائحها الجميلة حول الطعام الذي يخلو من السعرات الحرارية، فيما تبتسم يانكا بطريقتها الجميلة ومرحها المحبب، وهي تؤكد أن الطعام لذيذ وهو مناسب لهذا النوع من النبيذ، أما فيخر فيكتفي ببعض التعليقات الصغيرة وهو ينظر الى كأسه الفارغة، وأليس تجاهد في كيفية توضيح أن الأكلات الشرقية هي التي يجب أن تزين المائدة، ووسط كل ذلك أسرح بخيالي بعد أن أتأكد أن الحياة تستحق أن تعاش، خاصة بين هذه الأوزات المدهشات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram