TOP

جريدة المدى > عام > تسفيتايفا و ماياكوفسكي

تسفيتايفا و ماياكوفسكي

نشر في: 13 يوليو, 2020: 08:07 م

أ.د. ضياء نافع

مارينا تسفيتايفا وفلاديمر ماياكوفسكي دخلا – وبكل جدارة واستحقاق – تاريخ الأدب الروسي في القرن العشرين بشكل عام , و أصبحا بالذات فصلاً متميّزا ( بنكّهة واضحة المعالم )في تاريخ الشعر الروسي ومسيرته بشكل خاص .

كلاهما ولدا بالامبراطورية الروسية في تسعينيات القرن التاسع عشر, وكلاهما انهيا حياتهما انتحاراً بالقرن العشرين في الاتحاد السوفيتي , ماياكوفسكي انتحر عام 1930 باطلاق النار على نفسه وكان عمره 37 سنة , وتسفيتايفا انتحرت بشنق نفسها عام 1941 بعد عودتها من الغرب وكان عمرها 49 سنة ( هاجرت تسفيتايفا الى أوروبا الغربية عام 1922 مع الموجة الكبرى للمثقفين الروس الذين هاجروا من روسيا السوفيتية احتجاجاً على ثورة اكتوبر الاشتراكية , وبقيت هناك طوال ذلك الوقت , ولكنها - بالتدريج - اقتنعت بضرورة العودة الى الاتحاد السوفيتي , وعادت فعلاً عام 1939 , ولكنها انتحرت بعد سنتين من عودتها). 

ماياكوفسكي – كما هو معروف – كان شاعر الثورة الاشتراكية, أما تسفيتايفا فقد رفضت الثورة أصلاً, والمقارنة بينهما - للوهلة الاولى - تبيّن طبعا التباين الجوهري لموقفهما من أهم وأكبر حدث في تاريخ روسيا آنذاك , فماياكوفسكي يمجّد الثورة البلشفية , و تسفيتايفا ترفضها بشكل واضح وصريح وتهاجر من بلد الثورة احتجاجاً , ولكن - مع هذا التناقض الواضح بالموقف من ثورة اكتوبر1917 ونتائجها - توجد بين ماياكوفسكي وتسفيتايفا مع ذلك روابط وعلاقات تستحق التأمّل والدراسة والتحليل, وهي وقائع تناولها الباحثون في تاريخ الأدب الروسي الحديث, ونود أن نتحدث عن أهم ملامح هذه الوقائع للقارئ العربي في مقالتنا هذه , إذ إننا نظنّ أن هذه الوقائع غير معروفة بشكل متكامل لهذا القارئ , وربما تساعدنا للوصول الى بعض الاستنتاجات المفيدة بشأن معرفتنا لتاريخ الفكر الروسي الذي غالباً ما نتحدّث عنه – نحن العرب - ونستشهد بوقائعه دون معرفته بعمق , وفي كل الأحوال , فإن هذه المعلومات يمكن أن توضّح لنا بعض الجوانب الفكرية في مسيرة حياتنا المتشابكة. 

من الوقائع الثابتة والموثّقة ( و الطريفة أيضاً ) في تاريخ العلاقات بين تسفيتايفا وماياكوفسكي ما كتبته الشاعرة نفسها عام 1928 , أي بعد ست سنوات من هجرتها الى الغرب . لقد وصل ماياكوفسكي الى باريس في تلك السنة , وكانت تسفيتايفا هناك , ونشرت في جريدة روسية كانت تصدر في باريس وهي ( يفرآسيا ) ( أوروآسيا ) بتاريخ تشرين الثاني / نوفمبر كلمة قصيرة بمثابة تحية موجهة لماياكوفسكي , وقد جاء فيها , إن تسفيتايفا التقت ماياكوفسكي في الشارع بموسكو صدفة قبيل رحيلها من روسيا عام 1922 وسألته – ( ماذا تريد يا ماياكوفسكي أن أبلّغ أوروبا عنك ؟ ), فقال لها بلّغيها ( إن الحقيقة – هنا ) , وتكتب تسفيتايفا في مقالتها القصيرة تلك لاحقاً , إنها عندما كانت في مقهى فولتير بباريس عام 1928 , حيث ألقى ماياكوفسكي قصائده , وخرجت لتوّها من المقهى , طرح أحدهم عليها سؤالاً , وهو – ( ماذا تقولين عن روسيا بعد قراءآت ماياكوفسكي ؟ ) فأجابت تسفيتايفا رأسا , دون أن تتمعن بالتفكير قائلة – ( إن القوة – هناك ) , اي انها استخدمت – واقعياً - نفس شكل و مضمون جملة ماياكوفسكي, التي ذكرها لها عند اللقاء معها في موسكو . 

لم يتقبّل اللاجئون الروس في باريس هذه الكلمة – التحية لماياكوفسكي , التي نشرتها تسفيتايفا , واعتبروها انحيازا للنظام السوفيتي ومواقفه الفكرية , واتخذت الصحيفة قراراً بمنع تسفيتايفا من النشر لاحقاً في تلك الصحيفة , وقد كتبت تسفيتايفا رسالة الى ماياكوفسكي بتاريخ 3 / 12 / 1928 حول ذلك , ولازالت هذه الرسالة موجودة في روسيا , وقد تم نشرها . وطلبت تسفيتايفا من ماياكوفسكي في رسالتها تلك , أن يحكي هذه الحوادث لباسترناك وللآخرين عند عودته الى روسيا السوفيتية , وتختتم تسفيتايفا رسالتها الى ماياكوفسكي بالقول – (اني احبكم) . هذه الرسالة تبيّن بوضوح ودقّة , أن تسفيتايفا لم تكن بعلاقة جيدة مع اللاجئين الروس المحيطين بها , وربما يمكن القول , إنها البداية لفكرة العودة الى روسيا , هذه الفكرة التي ستتبلور بالتدريج لديها , وستنفذها فعلاً عام 1939 , وهي الخطوة التي ادّت الى نهايتها التراجيدية والانتحار شنقاً .

هناك وقائع أخرى في تاريخ العلاقات بين تسفيتايفا وماياكوفسكي , منها مثلاً , إنها كتبت قصيدتين حوله , الأولى اهدتها له في روسيا عام 1921 , والثانية بعد انتحاره عام 1930 , بل توجد جملة لديها , وجدوها في مسوّدات إحدى رسائلها عندما كانت في الغرب , تقول فيها , إن ماياكوفسكي أقرب إليها روحياً من كل الذين يمجّدون العالم القديم , أي روسيا القيصرية .

لا يمكن الاستطراد أكثر في إطار مقالتنا هذه , ولكننا نقول ختاماً , إن تمثال ماياكوفسكي و تمثال تسفيتايفا يقفان الآن شامخين في موسكو , وتحولت بيوتهما الى متحفين . صحيح , إن تسفيتايفا عادت الى مكانتها متأخرة عن ماياكوفسكي كثيراً , لأن الحكّام لم يرغبوا بذلك , ولكن الشعراء أقوى من الحكّام , وهذه هي الحقيقة الخالدة , التي يحاول الحكّام تجاهلها دائماً , ويفشلون دائماً ... 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الفيفا يدرس زيادة عدد منتخبات كأس العالم

بريطانيا ترفع 24 جهة من قائمة العقوبات على سوريا

العراق يترقب أمطارا غزيرة تستمر للأسبوع المقبل

وزير الإعمار: نصف مساحة العراق خارج خدمات الصرف الصحي

منفذ طريبيل يمنع دخول 2000 رأس غنم مصابة بأمراض معدية إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram