د.فاتن حسين ناجي
بين الرسالة والمُرسل ينطوي أفق من المنحنيات يجدها المرسل صورة للمغايرة في التلقي والخروج عن تلقي الصورة مباشرة دون شواش محاولة خلق شفرة وترك المتلقي يتصارع في حل تلك الشفرة وهذا الصراع هو أساس خلق المتعة والتركيز والمقاومة .
وهذا الشواش او التشويش يصفه لنا ميشال سير الفيلسوف الفرنسي بأنه القادر على فك الشفرة بانه يجعل قراءة الرسالة أصعب ولكن من دونه لا توجد رسالة حيث لا توجد رسالة دون مقاومة أن التشويش يفتح الباب الى طريق خصب للتأمل حيث إن التشويش جزء من الاتصال ولا يمكن إزالته من النظام ، والتشويش في اللغة كما هو الحال في أنظمة التواصل الأخرى له ما يعادله في فكرة النظام نفسه إذ أن التغيرات تؤثر بدورها في حدوث نظام معين من جانب وتأثيرها على أساليب الاتصال الأخرى من جانب آخر إذ يتحد الفعل العام بالتشويش مع الفعل الخاص للنظام من خلال الدخول الى أسبار الشفرة عن طريق تحفيز ذهن المتلقي اضافة الى منح القارئ أو المتلقي دهشة جمالية لا تتوافر في التقليدي والتداولي من التقديم المباشر غير المبهم للمنتج الأدبي . لذا تجد أن التشويش أدى الى تحطيم القراءة التقليدية وجعل المتاهة أساس المتعة والنظام في آن واحد . ويذهب الكثير من الفلاسفة والنقاد الى أن التشويش مرجعه الحس لأنه يرتبط مع الاستجابة الحسية والايغال في عمق طبيعة الأشياء وجوهرها والفصل عن ماهو جميل وما هو أساسي ودليل كما يؤكد ليوتار أن الاحساس بالجليل هو تشويش للتمايزات بين الأحاسيس المختلفة مثل اللذة والألم فالتشويش هنا يعتمد بالأساس على نشاط المخيلة والذائقة الحسية التي تكشف عن حقيقة الأشياء في ذاتها حيث تتجلى عن ما هو نسبي أو عارض . إذ يمارس (الشواش) لعبة أشبه بالتناقض واختلاف الدلالة المتغيرة واللامتمركزة ويتجاوز الى اللانهائي، محاولاً خرق المعتاد وإثارة التشويش عليه وتصدير صورة اشبه بالهالة التي تحيط بالاشياء محدثة حولها ضبابية مشوشة من أجل تميزها من جهة وفصلها عن المحيط من جهة اخرى هنا تتلاعب الفوضى دورا مهما في التشويش وفي كسر المعتاد والمالوف من حيث التركيز على المختلف وتأكيده وإحداث حالة من التمايزات وتداخل مجموع الدال والمركبات الدالة في عملية توليد نظام جديد وهو النظام دالٍ ورغم عدم خضوعه لـِمركزية الذات أي ليس موضوعاً لمركز ما لكنه يحدث فيها توازن يحمل معه قوة في كلا الاتجاهات . ، وتلك هي بؤرة المركز في مبادئ ما بعد الحداثة حيث تؤكد أن كل نظام بمثابة جزيئات متشظية متفرقة متشعبة لا يربطها رابط لكن النظام يبقى هو الثيمة الأساس مهما بلغ التشويش تشعباته . التشويش من أهم طرق تمثيل الحركات والأبعاد العشوائية الغامضة بل يزيد على ذلك غموضاً في عملية الاتصال ذاتها ، حيث لا يركن التشويش الى هيمنة المركزية لا بد من فهم الكل ووجود فهم فعلي للكل قبل البدء في عملية الكشف عن النظام في الشواش وأيضاً لا بد من تفحص واستقصاء أجزاء العمل للوصول الى نقطة البدء ونقطة النهاية في ذلك المكون أياً كان ، ومسرح مابعد الحداثة ركَّز على تحطيم المقولات المركزية التي حكمت النسق الفكري والثقافي , عبر فعل التشويش في تعددية الطرح وفي مغايرة الرسالة يخلق نوع من الشواش الذي يحاول من خلاله أحداث التواء في عملية تحول في الخطابات المسرحية ، تلك الخطابات التي تضم بداخلها أنساقها الخاصة بها والتي تكشف عن طبيعتها في الطرح ، وطروحات مسرح مابعد الحداثة التي إقترنت بإستخدام آليات التشتيت والأختلاف والتغريب والإختلاف والهدم وغيرها من الآليات التي إنبثقت من فلسفات متعددة مثل التفكيك والعدمية والفوضى كلها تقودنا الى رسالة مفككة فوضوية يخلق وفقها في ذهن المتلقي رسائل متعددة تنبثق من التفكك لتقترن بالنظام النفسي والتشكيل البصري للصورة المسرحية .
جميع التعليقات 1
أ.د. علي عبدالفتاح الحاج فرهود
تحفةٌ معرفيةٌ جديدةٌ. شكرًا اكِ أُختي الدكتورة فاتن الموقرة.