TOP

جريدة المدى > عام > حضور رامبو في ليل باريس

حضور رامبو في ليل باريس

نشر في: 13 يوليو, 2020: 08:10 م

ناجح المعموري

لمناسبة صدور ديوان (أنامل الأمكنة) للشاعر عادل الياسري ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء في العراق بالجائزة المعلنة للشعر( جائزة الشاعر حسب الشيخ جعفر )، وما تضمنه من النصوص الشعرية عن رحلاته وتجوالاته في بلدان العالم ،والتي ينجذب القارئ لها.

فذاكرة المثقف خزان هائل من المحفوظات المتكونة من تراكم القراءات والمعاينات،المسموعات ،والتعرفات على الأماكن وسردياتها المتوترة بصورها،لأن الصور تعني ذاكرة الماضي المستدعي في لحظة انطولوجية عاشها الكائن وسط مكان ضاج بتجليات الصورة ، وتمظهرت الصورة مع اشتباك السرد الخاص بالمؤنث والمذكر والمخنث،حسب تقسيمات يونغ. نتعامل مع رامبو بوصفه مخنثاً يمنح الحالم به لذّة وتمتعاً أكثر من رعشة التأنيث الثلجية،الطارئة. وقد حاول باشلارأن يحشد مسوغاته لأثبات تصوره في إضعاف مركزية المذكر ،أكثر فأكثر،فيندفع الى ترسيخ رؤية سيكولوجية عن انشطار الذات،ولكن ليس الانشطارالثلاثي الذي قدمه فرويد "أنا، هو،أنا أعلى" بل هو انشطار جديد يدعم به رؤيته مبني على اثبات ازدواجية الذات الأنسانية بين شعور " ذكوري وأنثوي " حتى يمكنه من ضرب مركزية المذكر ان لم يكن يستطيع "اثبات"مركزية المؤنث ،وفي موضع اخريحاول اثبات الأصل الخنثوي في الذات الأنسانية /ص153.

هذا الاتساع وتنوع المؤنث ،من أجل تمركز هذا النوع وتقوية الذات من اجل الحضور في الوجود وابداء الفاعلية والطاقة في كينونتها –الأنثوية – هذا مايمكن قوله ونحن نحاول المرور على حجم المفردات المؤنثة،وإنما تمجيد الفاعلية القوية بالحياة،منذ عتبة الحضارة الأولى،حيث تميزت الآلهة الأم بقوة تحريك الحياة وفتح منافذ تطويرها وتفعيل سيرورتها ،لأن الخصوبة هي العلاقة البارزة والدالة على عظمة المؤنث ،هذا مجال أما المجال الآخر فهو العلاقة الثنائية بين المذكر والمؤنث .وإنهما الأكثر حماساً للتجاورمع الآخر،وهذا النص . جواب حاضر،عبر معجم تأنيث الأشياء ، وأظنّ بأنّ مثل هذا المعجم والوضوح الجوهري في استحضار الأنثى يعني المذكر،الذات الفحولية هي المأخوذة نحو فضاء الأنثى ،الرجل متحمس إليها، وهي مندفعة إليه ،كل واحد لايمثل شيئا جوهريا ،إذا ارتضى التواجد،مكتفيا بذاتيته .ولابد من إشارة ضرورية وهي أن ذاتية المذكر تتقوى وتعيش فضاء أكثر سعة وعمقاً وأقوى ،عندما تدنو من الأنثى وهذا يأخذ القراءة لأثارة جوهرية ،ودحض أسطورة والدةالرجل الخاصة بالأنثى،والشاعر عادل الياسري بأنفتاحه الواسع على تعميق معجم الأنثى ،لأنها ذات قوية وليس مثلما شاع عنها في الأساطير، هي ذاتها قوية وتبرزأكثر قوة عندما تدرك أهمية –وجودها – مع المذكر.

حماس الشاعر عادل الياسري لم يكن قصدياً وهو يكتب النص ،بل حقق هذا الأنجاز اعتباطاً والشعر قابل ومنفتح على مثل هذه التجارب المحتوية او الذاهبة نحو تجديد بالتجربة ،لم يكن معروفاً من قبل.والتواجد وسط باريس ،حلم متحقق ،استدعى كلمات ، لغة متدفقة،أضاءت الهوس بالأنثى وسط مدينة مثل باريس،وكأني أجد التأنيث ، نوعاً من الكشوف والحاجة للجسد الأنثوي : كشف الشاعر كل مخفيات ذاكرته المتوترة والشارع متحكم به،ولايجد مجالا غيرتكريس جسدنة الأنثى والأشارة الذكية للرموز الدالة على الأنثى وخطابها، مثل النار. النار هي أحد العناصر الطبيعية الأربعة التي درسها باشلاركثيراً ،وأشارت لها مدارس علم النفس : التراب/الماء/ الشمس/الهواء،هي من المكونات التي درستها الانثروبولوجيا،وفلسفة الأسطورة وعلم اجتماع الثقافة، وهي من أهم الرموزالدالة على الأنثى،وهذا ما ذهب اليه عادل الياسري في نصه " رامبو " وكان لها وجود ضمن معجم النص الخاص بالأشياء المؤنثة .ووجود " النار " في النص تمثيل لوجود الأنثى في المكان الباريسي .مثلما هي الطاقة التي جعلت من الأنثى ذات سيادة دلالية بالمجال الثقافي والجسدنة .

باريس سيدة،

تلبس الأجناس سترتها

زنجيّة بادلتك القميص

زهرة الشرّ بعينيها

لم يرك الرفقة

الكأس بعينيك

نار...،

لها في الليلة الألف

قبل انتقالك

ذرّة، .

أسطورة بروميثيوس الهابط بالنار وسط القصبة ونزل بها / الحضارة الى الأرض، لكن علم النفس أعاد التعامل مع الأصل الأسطوري واتسع الفضاء الدلالي.فهي المدلول الأنثوي الصاعد موضوعيا عند الأشتعال،

بينما العنصر الآخر/ الماء دائماً مايكون نازلاً ،وأشار باشلارالى أن النار

ترتبط بالفعل الشبقي الحميم ،والبعد الداخلي للأشياء وهو تفسير لللاّوعي البدائي الذي يحمله الشاعر ويبثّه في قصائده .وبرأي باشلار أيضاً أن التصور الأسطوري لتفسير نشوء النار يحمل مغزى شبقيّاً ينظر في اللبيدو ،وهو مايفسر بحث الأنسان القديم عن السرّالمانح للحياة . فوعي الإنسان القديم بالنار وحبه الجامح في الإفادة منها مسوّغ لتحقيقها البقاء والاستمرارية . ومثلما قال نيتشه كل شيء في الطبيعة صاعد الاّ الماء لأنه متواضع جداً.

النار اشتعال في جسد الأنثى لحظة الدنوّ إليها من قبل المذكر،وهذا العنصر اقترحته الميثولوجيا في فجر الأساطيرالشرقية،لأنها " النار" ذات علاقة مباشرة وقوية مع الطبيعة ،فالحياة الخاصة بالأنثى هي ذاتها التي مع الأرض، منذ الأصول البدئية والتي استعاض الشاعر عنها بالليلة الألف، ذات العمق الدال على قدامة التاريخ الأول الذي كانت فيه الأم الكبرى مخترعة للنار ومكتفية بها ليس لتعويض الغياب المادي بالحضورالرمزي ،وانماهي – النار-

كامنة في الجسد الأنثوي، مثلما أوضحت ذلك إحدى أساطير القبائل التي منحت من فرجها ناراً وحازت حضوراً كليا ،وابتدأ التعامل معها باعتبارها الدال الشعري والجنسي على طفولة الحياة الأولى.ا وهذه المعلومة الميثولوجية تفضي الى العلاقة بين الكائن والطبيعة ، فالفن مطعم من الطبيعة و الطبيعة بدورها تتغذى وتطعم من الفن ....بحيث يحول جمال العالم الصامت الى جمال 

حي كما قال باشلار في كتابه " جماليات الصورة " 

فوّاحة برائحة تهبّ من الجسد المكشوف ،رائحة الزنجية المفعلة للفالوس بعد هبدته والمعاشرة المحرقة.الأدخال التواصلي يأخذ الفالوس لعالم أسود، لأنه حامل لبذرة الموت الأدخال، فرج الموت الأسود،والأنتهاء من التوحش موت مؤقت، واشتداد اللذة والشبق شكل من اشكال الموت، والفتاة الزنجية، صوت الأعلان عن التشارك بين جسدين . أما مئات الأجساد على ارصفة المحطة "زهرة الشرّ" لم تكن جزء من النص العابر،أو المهمش، بل هي اشارة رمزية واضحة من تجليات الجسد ،عبر القميص المخلوع والكاشف عن زهرة الشرّالجاثمة في الجسد، لذا أنا وجدت بأن القميص نوع من السجن المتكتم على سرديات الجسد ،وهي التي منحت للجسد مميزاته المثيرة ، ولم يكن القميص حجاباً مهملاً وزائداً،كذلك قميص الكائن الشرقي ،بل كل واحد منهما يتبدّى عن القميص وجود ثقافيّ وحمولات صادقة للمعني ،وتعدداته ،لذا استطاع القميص بكل رمزيات الأستجابة للقراءة والتأويل واستنطاق المخبأين . هذا هو الموزع بين القميص والأنثى التي أخذت بفرح مبادلة الكائن الشرقي قميصه .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الفيفا يدرس زيادة عدد منتخبات كأس العالم

بريطانيا ترفع 24 جهة من قائمة العقوبات على سوريا

العراق يترقب أمطارا غزيرة تستمر للأسبوع المقبل

وزير الإعمار: نصف مساحة العراق خارج خدمات الصرف الصحي

منفذ طريبيل يمنع دخول 2000 رأس غنم مصابة بأمراض معدية إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram