اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: معذرة: هي رؤيا خلاص اليائسين

قناديل: معذرة: هي رؤيا خلاص اليائسين

نشر في: 18 يوليو, 2020: 07:18 م

 لطفية الدليمي

يتوهم البعض أنه يتفرج على فجيعة الغرقى وهم يصارعون الحياة في محنة آمالهم الخلّب ، وأنه من موقع المتفرج قد حظي بالنجاة من سراب الأمل، متجاهلاً أنه يمارس خداعاً موجعاً للنفس قد يوازي غرق اؤلئك الذين يرجون الخلاص وهم رهن المستنقع المسموم في البلد الحزين .

شراسة الظمأ للحياة تؤاخي بين المتأمل الأعزل الغارق في سراب الأمل وبين المتشبث بالنجاة المستحيلة. كل متفرج ناجٍ يسير من مطلع الشمس باتجاه الأفق متلمساً خلاصه بفكرة أوحلم، ليلهُ أرق وعتمة وتوقّع محنة تالية، والمدن تُحتضر في القيظ المهلك ، لاكهرباء ولا منطق في طول البلاد المبتلاة بثارات التاريخ ، فهنا يتساوى العراقيون المحتجزون في مستوطنة العقاب. 

الحَجْر الكوروني الذي ألزمهم البيوت زيّن لهم عزلة النجاة وأهمية خلاصهم الفردي، أغرقهم في أنانية الدفاع عن الواحد الأعزل القابع فيهم، قتلَ في ذاكرات البعض تأريخ الكائن المجتمعي، أخرس نزعتهم للحوار وأحبط مشاريع احتفالات صغيرة بأنفسهم وأحبائهم، ودفعهم لإرجاء الرؤى وبدّد مشاريعهم وحَرّم المتع وأفسد أحلامهم ودفعهم ليساكنوا الهلع في مضاجعهم ويُطعَموا المخاوف على موائدهم، إكتشفوا بغتة ضآلة الإنسان وعجزه، فضح الحجرُ تأريخاً مديداً من تبجحات البشر وبطولاتهم المدّعاة وتخيلاتهم عن أنهم مركز الكون و أسياد الحياة وأنهم الموكلون بإدامة الوجود وصون بذور التجدد، إنكشفت أوهامهم أمام تأملاتهم الواعية وافتضح عري النظم الحاكمة في عصرهم وخداع قادة العالم ومنظماته المتعفنة، رأوا العالم كما لم يعرفوه من قبل : موئساً، باعثاً على الغمّ والخذلان، أبصروا اختلال الأشياء ووهن العقائد، فُجعوا بخداع الوعود وعجز اليقينات المتحجرة عن إنقاذهم، سخروا من التعلقات الباهتة التي يراوغ بها المخدوعون يأسهم ويتقبلون بها عوق حياتهم استسلاماً لرجاء نجاة محتملة . عرفوا في لحظة الوعي المباغتة أنهم غرقى جميعاً في سراب أممي مكهرب بصراعات الدول منتجة الخراب وواهبة النذر، ولم يتبق لهم من مسوغ للإصطبار على البلوى وهُم المبدّدون في السراب العظيم الذي يديم عطشهم ويبدد علامات الدلالة ومؤشرات الطريق إلى النبع .

يفر الناس من أنفسهم في صحراء التوقعات المخيّبة، يتعجلون مرور الزمان بقدوم ليل موحش أو بزوغ نهار واعد ، لعل شيئاً سيحدث وراء غبش السراب، لعل بشيراً يلوّح مما وراء القنوط العراقي ببشارة تقدح شرر الحياة وتحيي أجساداً صيّرها الغضب والقيظ هياكل من حطب وخسران، تتعجل الجموع هربها من يأسها متشبثة بتعلقات واهية وقصص عشق أو تمارين نسيان لكوارث عتيقة وتلوذ منهكة بأقاليم أحلامها المشتهاة، أو تتحامل على يأسها وتتوسل ضوءاً من فكرة منصفة أو تفسير عقلاني لمحنة شعب مهدور الدم، تدرك الجموع أن ما من خلاص في وادي الجحيم المؤبد؛ يواصل البعض السخرية من يأسهم الوطني الشاسع ، يواصلون الهزء من خساراتهم الفادحة وندمهم اللامجدي، يبتكرون فكاهات عن أنفسهم المخذولة وأعمارهم التي سممتها أفاعي الأحزاب وشوهتها العقائد ولوثها التعنصر وصراع الطوائف ودماء الضحايا، يتأسّون طويلاً من ظلم عقود تهاوت وما يتبدد اليوم من زمنهم، ثم يعلنون أمنية خلاص فاتك لايبقي على الأرض شيئاً ولا يستثني أحداً: لعلّ مذنّباً سماوياً ثملاً ينحرف عن مداره ويُغوى بزرقة كوكبهم الأرضي فيحترق في نطاق الهواء ويهبهم نهاية كونيّة ، يريهم لحظة مستعادة من الانفجار العظيم حين ولد الكون من سعير مخلّد كجحيم وطنهم المستديم ، يصرخ اليائسون :

- معذرة لرؤيانا الخلاصية المدمرة، فهذا أكرمُ لتأريخنا البشري وأهون من حفل الشواء البطيئ بالقيظ اللاهب أوالموت اغتيالا بسلاح المتصارعين على المأدبة أو بكوفيد 19 .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram