TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: عشاق العيون

العمود الثامن: عشاق العيون

نشر في: 29 يوليو, 2020: 09:32 م

 علي حسين

شغلت المطربة أحلام وهبي الأوساط الفنية في بغداد، لسنوات، فهذه الفتاة التي دخلت الإذاعة العراقية عام 1954 لتغني "عشاق العيون" مقابل أربعة دنانير، قررت أن توزعها على الفقراء .بين ليلة وضحاها أصبح اسمها على كل لسان، كان السحر عند الناس آنذاك هو الراديو. لقد استحوذ الأثير المغني على البيوت.

جاءت هذه البنت من البصرة إلى بغداد، صبية تحلم بعالم من الشهرة والأضواء، كان عالم بغداد جميلًا ومختلطًا وملونًا، في هذه المدينة التي تتطلع إلى المستقبل بعيون مفتوحة ، كان هناك ناظم الغزالي ، وعفيفة اسكندر ، وزكية جورج ، ومحمد القبانجي ، وداخل حسن وحضيري ابو عزيز . كانت بغداد في الخمسينيات. والقادمون يأتون من قريب ومن بعيد. يغنون، ويعشقون، ويحلمون بيوم يصبحون فيه نجوماً، قادرين على العيش برفاهية، وعلى الحصول على جهاز راديو، طراز "سيرا" أو "باي"، يغني لهم من داخل البيت، بدلًا من اسطوانات جقماقجي وبيضافون. 

الإذاعة نفسها، "إذاعة بغداد"، كانت على بعد خطوات من الفندق الذي سكنته أحلام، هناك ستلتقي بالملحن الكبير ناظم نعيم، الذي كان مغرمًا بما يلحن ويدندن، يعتقد أن الأغنية والفرح والجمال ستصنع بلدًا يكون ملكًا للجميع، ومجتمعًا آمنًا لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه كل يوم، عاش ناظم نعيم مثلما عاشت أحلام وهبي ، أسرى لأحلامهما، يتنقل ناظم نعيم في الألحان، لينتهي غريبًا يئن على بلاد تُنكر أبناءها لأنهم لا يمارسون الخديعة، ولا يحملون صور ساسة الصدفة، وتشدو أحلام وهبي "هاي من الله قسمتي" ليكون نصيبها من المرض والمعاناة والعزلة والنكران. ستحلم "أحلام وهبي" مثل أستاذها ناظم نعيم بعراق هادئ، أنيق، طافح بالأمل. ولم تكن تدري، مثلما لم يكن ناظم نعيم يدري، أنّ بغداد ستدير ظهرها لهما في أواخر حياتهما، ليعيشا ما تبقى لهما من العمر مرضى وحزانى، في الوقت الذي نجد عبعوب ومن لف لفه " يترافسون من أجل الاستحواذ على كراسي بغداد. 

يتهمني البعض بأنني أحن إلى الماضي وأتاسى عليه، أعذروني أيها السادة لأن الجديد الذي نعيشه باهت، بلا لون ولا طعم، ونبحث عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن الذين نعيش معهم اليوم لا يجلبون لنا سوى الهم والغم. ونتمنى أن نُصبح دولة سوية تكرم الذين يستحقون التكريم، ولا تجرب مثل ذكرى علوش التي لا نعرف من سيتحمل فشلها، وهل هناك نظام سياسي حقيقي يعتبر الخراب والأزمات وآلاف الضحايا دليلًا على النجاح؟ 

ماتت أحلام وهبي بعد أن أثقلت حياتها الوحدة والأحزان، اختبأت وراء جدران العزلة، لكن أغنياتها ظلت تطل علينا توزع الفرح والأمل وتحيي الشجن في القلوب التي تريد لهذا الوطن أن يبقى يبحث عن " عشاق العيون" دائمًا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram