TOP

جريدة المدى > عام > غوركي ويسينين

غوركي ويسينين

نشر في: 1 أغسطس, 2020: 07:14 م

أ.د. ضياء نافع

عندما ولد سيرغي يسينين العام 1895، كان مكسيم غوركي اديبا معروفا في روسيا الامبراطورية، اذ ان غوركي اكبر من يسينين بـ(27) سنة.

وعندما توفي يسينين العام 1925 كان غوركي خارج روسيا السوفيتية - مرة اخرى – مضطرّا، وذلك نتيجة لخلافه مع السلطة السوفيتية هذه المرّة (انظر مقالتنا بعنوان – غوركي ولينين). وعندما نشر يسينين اول قصيدة له العام 1914 في احدى المجلات الخاصة بادب الاطفال، كان غوركي لا يزال خارج روسيا هاربا من مطاردة السلطة القيصرية له لنشاطه السياسي والفكري المعارض للنظام القيصري الروسي آنذاك، وكان يلتقي خارج روسيا القيصرية مع لينين نفسه ويشارك بنشاطات حزبه الماركسي المعروف، الذي سيحقق ثورة اكتوبر 1917، ويحوّل دولة روسيا الامبراطورية الى دولة الاتحاد السوفيتي . الكاتبان غوركي ويسينين – باختصار - عاشا في روسيا القيصرية وروسيا السوفيتية، وفي زمن واحد متقارب، لكن مسيرتهما الحياتية كانت مختلفة تماما، ورغم كل هذا الاختلاف النوعي الكبير (شكلا ومضمونا) في مسيرتيهما ونتاجاتهما، فانهما – مع ذلك – يعدّان الان قمّتين من سلسلة قمم الادب الروسي في النصف الاول من القرن العشرين، وانطلاقا من هذه الحقيقة الساطعة والثابتة في تاريخ الادب الروسي، تناول الباحثون الروس موضوعة المقارنة بينهما، اي العلاقة بين عالمين اثنين مختلفين تماما في زمن روسيّ واحد، وهي موضوعة طريفة فعلا، وهذا ما نحاول الحديث عنه بشكل عام (اي عن اهم ملامح هذه المقارنة) في مقالتنا هذه.

المقارنة تبدأ بين الوقائع في طفولة غوركي ويسينين، اذ انها (اي الطفولة) تنعكس لاحقا وحتما في بلورة خصائص المبدعين كافة. طفولة غوركي كانت صعبة وقاسية جدا، وهي تذكّر بجملة كتبها تشيخوف مرّة واصبحت قولا شائعا باللغة الروسية، وهذه الجملة هي– (في طفولتي لم تكن عندي طفولة). طفولة الصبي اليتيم غوركي معروفة بشكل عام للقارئ العربي، اذ انه كتبها في روايته الثلاثية المعروفة والمترجمة الى العربية (طفولتي / بين الناس / جامعياتي)، ويعرف هذا القارئ ان غوركي اضطر في طفولته ان يمارس مختلف الاعمال التي يضطر الانسان ان يمتهنها وهو في وضعه التعيس هذا، مهن مثل صبغ جلود الاحذية وغيرها من المهن، وان غوركي لم يستطع - نتيجة هذا الظرف الصعب - ان يكمل سوى مدرسة مهنية ليس الا. طفولة يسينين تختلف تماما، اذ انه قضاها في قريته الروسية التي ولد فيها (وانعكست مناظرها الريفّية الخلاّبة لاحقا في شعره)، وكان يدرس في المدرسة (ويلتهم !) الكتب الموجودة في مكتبتها العامة، وهناك تعرّف يسينين على الادباء الروس ومنهم غوركي، والذي كان يكنّ له اعجابا متناهيا كمناضل وكأديب متميّز في مسيرة الادب الروسي، ولهذا، وعندما أصدر يسينين اول ديوان شعر له، فانه اهداه الى غوركي، وحدث ذلك في بداية عام 1916، عندما التقيا اول مرة في مدينة بيتروغراد (وهي المدينة التي تحولت الى لينينغراد ثم عادت الى بطرسبورغ وهو اسمها الاصلي)، بعد عودة غوركي من ايطاليا الى روسيا، وقد كتب يسينين في ذلك الاهداء على ديوان شعره جملة تعبّر عن موقفه هذا تجاه غوركي، وقد جاء في ذلك الاهداء – (الى مكسيم غوركي كاتب الارض والانسان...)، و تمّ عرض هذا الكتاب باهداء يسينين في معرض اقيم في متحف يسينين بموسكو لمناسبة مرور 150 عاما على ميلاد غوركي العام 2018 بموسكو. 

غوركي كان مراقبا فذّا لمسيرة الادب الروسي، وكان يتابع بدقّة كل الاسماء الجديدة في هذا الادب، ويحاول ان يرعاها حسب امكانياته، وقد لاحظ غوركي بالطبع موهبة يسينين المتميّزة رأسا، ودعاه للمشاركة في النشر بمجلة (ليتوبيس)، التي بدأت لتوّها، واستجاب يسينين لهذه الدعوة، والتي جاءت من قبل كاتب يعتزّ به مثل غوركي، وظهرت فعلا في العدد الثاني (شباط 1916) للمجلة قصيدة ليسينين، ثم نشر غوركي قصائد ليسينين في جريدته (الحياة الجديدة) التي بدأ باصدارها آنذاك، وهي الصحيفة التي لعبت دورا كبيرا في التعبير عن خلافات غوركي مع السلطة السوفيتية. ومن الطريف ان نذكر هنا، ان اعجاب غوركي بشعر يسينين قد انعكس حتى على مراسلات غوركي مع الاديب الفرنسي رومان رولان، اذ وجد الباحثون جملة كتبها غوركي الى رولان، يخبره فيها بظهور شاعر روسي عبقري شاب في روسيا السوفيتية هو يسينين. نختتم مقالتنا هذه بمقطع كتبه غوركي عن يسينين ، – (... أثارتني قصائده حتى الدموع... اردت حتى ان ابكي... ولم استطع ان اقول له اي كلمات مديح، والتي اعتقد انه ليس بحاجة اليها... ان تلك القصائد تجعلك تفكّر وبلا ارادتك... ان الطبيعة قد خلقته ليكون لسان حالها... وانها خلقته للشعر.. وللتعبير عن حزن الحقول.. وعن الحب تجاه كل ما هو حي في العالم). 

غوركي ويسينين موضوعة جميلة في تاريخ الادب الروسي، وهي تستحق – وبجدارة – ان يوليها الباحثون انتباههم، والتعمق في دراسة الآراء التي كتباها او ذكراها كلاهما عن بعضهما البعض، والتوقف عند آراء الآخرين حول هذه العلاقة وتحليلها...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram