ثائر صالح
هو فريدريش الثاني ملك بروسيا (1712 – 1786) لقب بالكبير لأنه بنى مملكة قوية واحتفظ بمقاطعة سيليزيا البولونية الغنية بالخامات وثبت سيطرته عليها في التقسيم الأول لبولونيا بينه وبين النمسا وروسيا.
من الشخصيات المثيرة في التاريخ، إذ درس أنواع الفنون في طفولته، منها الموسيقى وكان عازفًا جيدًا على الفلوت وألف عددًا من الأعمال الموسيقية، ورعى الفن والفنانين، خدم عنده خيرة مؤلفي ذلك العصر منهم كارل فيليب ايمانويل باخ الابن الثاني لباخ (1714 – 1788) ويوهان كفانتس أستاذ الفلوت، بالإضافة الى فرانس بندا (من بوهيميا)، وكارل هاينريش غراون. كانت لفريدريش مراسلات كثيفة مع فولتير طوال قرابة 50 سنة، رغم أن العلاقة بينهما فترت في الأخير. ألف كتبًا في الستراتيجيا الى جانب الفنون وتأليف الموسيقى وكتابة الشعر، وهو الذي ابتدأ بتحديث بروسيا حيث أدخل صناعات جديدة ونباتات جديدة للزراعة.
لكن فريدريش كان قائدًا عسكريًا محنكًا في الوقت نفسه. رباه أبوه فريدريش الأول على القسوة والانضباط وكان هذا يخالف نشأته وميوله الفنية. حصل على سمعة كقائد عسكري خلال حروبه التي خاضها وأهمها حرب التوريث النمساوية (1740 – 1748) وحرب السنوات السبع للاحتفاظ بسيليزيا (1756 – 1763) اللتان خرج منهما بمكاسب.
عانى فريدريش من ضربة معنوية قاسية وإهانة شديدة خلال الحرب الأخيرة عبر احتلال عاصمته برلين من قبل 4320 فارس مجري من جيش ماريا تيريزيا امبراطورة النمسا يقودهم الجنرال المجري أندراش هادِك (1710 – 1790)، وكان فريدريش غائبًا عنها يقود جيشه في ناومبرغ القريبة من لايبزج. انطلق الفرسان من سيليزيا خريف 1757 وقطعوا 450 كم خلال ستة أيام، وكانوا يسيرون في الليل ويتخفون في النهار. رفضت برلين باستهزاء الاستسلام أمام الجيش المجري الصغير الذي ظهر عند اسوارها فجأة، فحطم المجريون بوابة المدينة بالمدافع الصغيرة بغتة ودخلوا المدينة واحتلوها دون مقاومة من حاميتها التي بلغ عددها 5500 رجل. فرض هادِك جزية مالية قدرها 215 ألف تالر فضي وانسحب مع رجاله برفقة 450 أسيرا قبل يوم واحد من وصول التعزيزات التي أرسلها فريدريش والتي لاحقت الجيش المجري دون أدنى نجاح، بل احتل هادِك مدينة فرانكفورت على الأودر في طريق عودته وفرض عليها غرامة حربية. هذه المدينة تقع في الشرق، وليست فرانفكورت على الماين التي هي العاصمة المالية لأوروبا اليوم. لم يأخذ هادِك وجيشه أية غنيمة من برلين سوى سبعة أزواج من الكفوف الحريرية التي أمر بتطريز شعار برلين عليها ليقدمها هدية للإمبراطورة ماريا تيريزيا.
زار باخ الأب ابنه في قصر فريدريش في بوتسدام سنة 1747 (قبل انتقاله الى قصره الجديد سانسوسي في برلين في نفس العام)، وهناك ابتدع الملك جملة موسيقية (يسميها باخ "الثيمة الملكية" وهي قبيحة في نظري) كأنها مصيدة لاختبار قدرات باخ الكبير على صياغة مقطوعات موسيقية جميلة في شكل الفوغا والكانون (من أشكال عصر الباروك المعقدة). فقام باخ بتأليف عمله الشهير "التقدمة الموسيقية" (BWV 1079) وأهداه الى فريدريش الذي لم يجبه عند استلام المخطوطة.