سامي عبد الحميد
4-4
في هذا الجزء الثاني من هذه المقالة نتعرض إلى مسرحيات تمثل مجموع المسرحيات الخاصة بالدراما البريطانية والمسرح البريطاني والتي سميت (مسرحيات سيرة) حول فنانين مشهورين وستتم مناقشة موقع كل مسرحية من الناحية التاريخية ومن الناحية الروائية ومن ناحية المصداقية ،
والجزء الرئيس في كل تحليل يتعامل مع كيفية تأثير النصوص على استجابة المتفرج العاطفية ومعالجتها وصهرها مع الأحداث والشخصيات على المسرح ، المنبهات التي تدعو للعرض المسرحي والموجودة في النص هي نقاط الانطلاق في تلك التحليلات وتعتمد هذه المقاربة على التفريق بين المؤثر والتلقي كما اقترحه (جوب) الذي يعرف (المتأثر) كما كيّفه النص و(التلقي) يتكيّف داخل القارئ (1977 / 12 – 13) . ولتحليل هذا العنصر النصي المضمر للتأثير لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار خطوة أولية ضرورية لشرح مسألة أكثر تعقيداً للاستجابة المسرحية . ويمكن تعريف المتلقين كما لو كانوا متلقين ضمنين يشير (بفيستر) الى المتلقين المثاليين بمعنى أنهم قادرون على تفسير جميع الشفرات التي يحتويها النص (1977 ، 66 ) وأحدى مجموعات الشفرات التي يمكن للمتلقي أن يحلها هي تلك تتعلق بنوابض الاستجابة العاطفية والتطابق العاطفي مع الشخصيات .
ويبين (لفينسون) بأن "مشكلة شرح علاقاتنا النفسية مع الشخصيات المتخيّلة وبطريقة مرضيّة قد شغلت الفلاسفة في وقت متأخر" .
يكفي هنا أن نبرز بأن الاستجابة الى الرواية والمسرح هي عاطفية الى حد بعيد أكثر من أن تكون استجابة فكرية أو حسية . تشير الشروحات النظرية أن الاستغراق العاطفي باستمرار إلى عملية المحاكاة أو عملية التطابق في الهوية أو التعاطف ويفترض بالقراء المتفرجين خلال عملية المشاهدة / القراءة أن يبتعدوا من محددات (الأنا) لديهم وهكذا يصبحون قادرين على ممارسة عواطف الشخصيات المتخيّلة كما لو كانت عواطفهم . وقد طوّر (جوب) تفريقاً يقود لاكتشاف صيغ أخرى ممكنة لأدبيات التطابق في الهوية . وكانت نقطة انطلاقة هي تطابق الهوية مع البطل ، وقد اقترح صيغاً تشاركية وإعجابية وتعاطفية وتهكمية وتطهيرية. وبالنسبة لنا فأن الأربعة الأخيرة هي الأكثر أهمية، فالتطابق بالأعجاب هو موقف جمالي يتشكل من وجهة نظر استكمال ما هو مثالي . وهو تجاوز لأي تفريق بين الزخم التراجيدي أو الكوميدي ، لأن الأعجاب بالبطل، القديس أو الحكيم لا ينتج عادة الموقف التراجيدي أو من التنفيس الكوميدي ، بل يتطلب الأعجاب هدفاً جمالياً وذلك باستكماله مع توقع الوصول إلى المثال . يفرق (جوب) بين الأعجاب الأصلي الحقيقي كما لو كان جهداً حقيقياً يقود إلى الأعجاب الجمالي والمحاكاة ، المجردة نشاط يحاول استنساخ الأصلي وعن طريق الملاحظة عن قرب .يمكن للبطل المثالي الذي يثير الإعجاب ، ووفقاً لجوب ، أن يتحول الى مثال بعيد المنال أو يمكن أن يُنتقص لصبح مادة أو محركاً لأحلام اليقظة .
يقصّر التطابق العاطفي المسافة بين المتلقي والبطل موضع الأعجاب ، يتحرك المتلقي معاناة البطل ويقود ذلك إلى التعاطف معه ومساندته ، التطابق التطهيري هو موقف جمالي أيضاً وقد وصفه (أرسطو) سابقاً وذلك بأنتقال المتفرجين من الاهتمامات الحقيقية إلى التعقيدات العاطفية لعالمهم الحياتي الى عالم المعاناة أو عالم البطل المهدد ثم التأثر بالموقف التراجيدي أو التنفيس الكوميدي . التطابق التهكمي هو ذلك المستوى من التلقي الجمالي والذي يتطور فيه التطابق الظاهري إلى ما يدعو إلى السخرية . ويقود ذلك إلى التطابق التطهيري .