موج يوسف
حادثٌ مُباغت لفتاةٍ في سن الثامنة عشرة يلقيها في سرير المرض والألم طوال حياتها ويتحول السرير إلى ريشةٍ فنيةٍ ساحرةٍ رسمتْ أسطورة المرأة القوية التي تصارع الألم من أجل الأمل ، فبدأت برسم نفسها مرة تلو الأخرى .
سيرة فريدا التي كتبتها هايدن هيريرا ، ترجمة علي عبد الأمير صالح الصادرة عن دار المدى - بغداد . تصنف هذه السيرة ضمن ( السيرة الغيرية الترجمية) وليس من الأدب الشخصي لأن صاحبة السيرة لم تكتبها بنفسها ، فقد كتبتها المؤرخة الفنية (هايدن هيريرا) وفي السيرة لم تترك المؤلفة من تفاصيل صاحبة السيرة إلا وكتبته فوقع الكتاب في 765 صفحة . بدأت من المنزل الأزرق في شارع لوندريس هو نفسه الذي بدأت القصة وانتهت به والذي تحول إلى متحفٍ يرتادهُ الفنانون ، تذكر هايدن أن ولادة فريدا عام 1907 لكنها اختارت عام 1910 ليكون يوم ولادتها الحقيقي هو العام ذاته الذي اندلعت فيه الثورة المكسيكية وقرَّرتْ( أن كليهما هي والمكسيك قد ولدا معاً) الفتاة الثورية هي بنت ( فيلهلم كاهلو) الألماني اليهودي الذي ترك أوروبا وجاء إلى المكسيك وغير اسمه ب(غويليرمو) فوقع في غرام ماتيلدة كالديرون وتزوجها . عمل الأب فوتوغرافي ونال وسام المصور الفوتوغرافي الرسمي الأول في إرث المكسيك الثقافي وقد كان تقنياً يصعب إرضاؤه ذا مقاربة موضوعية ومستعصية لما يشاهده في صوره كما في رسوم ابنته لا توجد مظاهر مخادعة ، ولا توجد تعتيمات رومانسية. مرّت فريدا بأزمتين صحيتين اوقعتاها طريحة الفراش في سن السادسة أٌصيبت بمرض شلل الأطفال وقضت تسعة شهور منعزلة في غرفتها وقد تشافت منه ، وبدأت بمرافقة أباها الذي فتح لها آفاق الرسم والدخول لهذا العالم ، وقد أثار فيها حبّ المغامرة الفكرية وقاسمها ولعهُ بعلم الآثار المكسيكية والفن وفي عام 1922 دخلت فريدا المدرسة الوطنية المكسيكية وكانت أفضل مؤسسة تعلمية في بلدها وقد اتاحت لها أن تتعرف على زُمر عديدة وهم ( المُعاصرون) مجموعة أدبية كانت فريدا تعرفت عليهم ومنهم الشاعر سلفادور، والروائي خافيير وصديقة حميمة للشاعر كارلوس والناقد خورخي كوستا وكانوا معروفين بوصفهم نخبويّين صفائيين( مذهب في الرسم) وكانوا يطالعون الكتب المترجمة في الأدب الروسي ويتابعون القصة والرواية المكسيكية الحديثة وفي نهاية الامر تعلمت فريدا ثلاث لغات (الاسبانية والانكليزية والألمانية) وفي الاعدادية قد فُوّض عدد من الفنانين المكسيكيين كي يرسموا جداريات فيها وكان من بينهم (دييغو ريفيرا) ليرسم جدارية وكان عمره 36 عاماً مشهوراً عالمياً بديناً لحدٍّ لا يصدق ، وكانت شخصيته الساحرة فضلاً عن شكله الشبيه بالضفدع يضمنان له جمهوراً عريضاً وأن جزءاَ من أسطورة فريدا أنها أصبحت متيَّمةً بدييغو إبان سنوات دراستها ممّا طرحت ذات يوم عن طموحها هو ( إنجاب طفل من دييغو وسوف أخبره بهذا ذات يوم ) ص 79 . وعلى الرغم من افتتان فريدا بدييغو لكنها كانت صديقة القائد أليخاندرو ودامت علاقتهما الغرامية لسنوات عدة وكان أبو فريدا يمنع هذه العلاقة ، فكانت تلتقي به سراً وذات يوم كانا في لقائهما المعهود وفُجعت فريدا بحدثٍ رافقته تداعياته عمرها كله هو عند ركوبهما الباص اقترب منهم اتوبيس كهربائي مستهدفاً الباص وهذا ما ذكرته فريدا في يوميتها ( الصدمة دفعتنا بقوة إلى الأمام واخترقني درابزون كما يخترق السيف جسم الثور. شاهدني أحد الرجال وأنا أنزف نزفاً شديداً) ص 100 بينما يصف أليخاندرو الحادثة( تحطم الدرابزون واخترق جسم فريدا من جانب آخر في مستوى الحوض حملتها بين ذراعي انتبهتُ بهلع إلى أن قطعةً من الفولاذ كانت دخلت جسمها) وقد تسبب الحادث بكسر في عمودها الفقري وساقها اليمنى وسُحقت كتفها اليسرى وهذا الحادث كان انطلاقتها الأولى نحو الرسم بشكل مميز إذ تقول( لم أفكر في الرسم حتى حلول عام 1926 حين كنتُ طريحة الفراش) ص 121. كانت رسومها الأولى ملائمة لشخص مريض أو عاجز وكانت الرسومات تمتاز بالألوان الداكنة العابسة وباستخدام اعتباطي للفضاء الذي لا ينسجم مع المنطق الخاص بالإدراك الحسي ورسمتْ موتها بنحوٍ مجازي وموت الآخر بنحو واقعي وفي هذه المرحلة انفصلت فريدا عن أليخاندرو لتقع في غرام دييغو فتذكر( في السابعة عشرة وقعت في غرام دييغو أبواي لم يحبذا هذا الأمر لأن دييغو شيوعي ولأنهما قالا إنه اشبه بروجل سمين كانا يقولان إنه اشبه بزواج بين فيل وحمامة) ص 176 .الزواج تمّ في حفل رمزي وكانت فريدا حريصة على إنجاب طفل من دييغو كما طمحت في صغرها وكان الآخر حريصاً على إنجاب لوحات أكثر لأنه كان محباً لعمله أكثر . عاشت فريدا مع دييغو بمشاعر الزوجة الغيورة والفنانة الأسطورية التي تحترم علاقاته فظلت بين هاتين النارين ولاسيما أن رفيقها متعدد العلاقات النسائية لذلك تعددت الخيانات ومنها مع أختها كريستينا ثم معلمات الانكليزية وموديلات الرسامين الغجريات وغيرهنّ من النساء ممّا جعلها تنفصل عنه عدة مرات ثم تعود ولاسيما في مرحلة الغليان السياسي في عام 1936 إذ كان دييغو بحاجتها وهذه الأحداث تؤثر في رسوماتها واستمرت معها موجات المرض فرسمتْ لوحة بعنوان( من دون أمل ) عام 1945 ترمز للعنف الذي مورس على جسمها جراء العمليات وفي عام 1953 ساءت حالتها الصحية ووصل الأمر إلى بتر قدمها فقالت بمرح لأصدقائها ( سوف يتبرون قدمي) وكانت تكره نظرة الشفقة, عند بتر قدمها بمدة رسمت لوحة لامرأة عادية مُجنحة دون رأس وثمة حمامة تجثم في الموضع الذي كان ينبغي أن يوجد فيه الرأس.
جميع التعليقات 1
فلاح الحسن
لم تتطرق المقالة الى علاقة الفنانة بالسياسي والمنظر الشيوعي المعروف السوفيتي تروتسكي الذي تم اغتياله في المكسيك