علي حسين
توفيت ليلة السبت على الاحد ، ميرثيديس بارشا، أرملة الروائي الكولومبي الشهير، غابرييل غارسيا ماركيز عن عمر 87 عاماً.
توفيت بعد ست سنوات على رحيل الروائي الكولمبي الشهير الذي توفي عام ٢٠١٤ في مكسيكو عن عمر ٨٧ عاماً أيضاً ، وقالت وزيرة الثقافة المكسيكية في تدوينة عبر حسابها على “تويتر”: تلقيت بحزن كبير نبأ وفاة ميرثيديس بارشا. وذكرت وسائل إعلام كولومبية أن ميرثيديس برشا كانت تعاني من مشاكل تنفسية وإنها كانت تقيم في العاصمة مكسيكو.
وعبر الرئيس الكولومبي إيفان دوكي عن تعازيه للعائلة. وكتب "اليوم توفيت مرسيدس بارشا التي كانت حب حياة مواطننا الحائز على نوبل غابرييل غارسيا ماركيز ورفيقته بلا شروط"، مؤكداً "تضامن" كولومبيا مع عائلتهما.
كانت ميرثيديس هي المرأة التي اختار الارتباط بها منذ سنوات ، وقد شغلت ذهنه منذ أن كانت في التاسعة من عمرها ، أبنة صيدلي شاهدها في حفل راقص للطلاب ، وقرر وقتها أن يتزوجها بعد الانتهاء من دراسته ، وعندما بلغت الثانية عشرة من عمرها حدثها عن رغبته في خطوبتها ، ونجده بعد عشر سنوات يقرر ما اذا كانت ميرثيدس على وعدها له ، لقد ظلت طوال أكثر من عقد من الزمان لا تغادر تفكيره ، والآن ما الذي سيقوله لها بعد أن قرر مغادرة كولومبيا لينأى بنفسه من تهديدات الحكومة التي قد تعمد الى اتخاذ إجراءات ضده بسبب مواقفه العدائية منها ، ولهذا عندما واتته الفرصة للسفر الى أوروبا رحب بها فوراً ، لكنه الآن يخاف أن تضيع المرأة التي أحبها ، مثلما ستضيع منه كولومبيا ، وبالتالي فانه يريد أن يجد شيئاً يربطه بالبلاد ، فقد كانت ميرثيديس تنحدر من نفس المدينة التي ولد فيها ، وبالتالي فجذورها هي جذوره أيضاً ، وسيضمن وجود شخص الى جواره يفهمه بشكل جيد ، يخبر كاتب سيرته جيرالد مارتن إنه لم يجد فيها مواصفات الجمال الباهرة ، بل وجد إنها تمثل خياراً ستراتيجياً واقعياً تماماً واتحاداً مثالياً ، ويصف أحد كتّاب سيرة ماركيز الكولومبي داسو سالديبار ميرثيديس بأنها " امرأة طويلة وجميلة ذات شعر بني يرتخي على كتفيها، وحفيدة أحد المهاجرين المصريين، وهو ما يبدو جلياً في عظامها العريضة وعيونها الواسعة ذات اللون البني. "
هل كانت ميرثيديس أول حب في حياة ماركيز ؟ في مذكراته " عشت لأروي الصادرة عن دار المدى ترجمة صالح علماني " يحدثنا صاحب مئة عام من العزلة عن امرأة أخرى اسمها مارتينا فونسيكا كانت هي حبه الأول ، تعرف عليها عندما كان مراهقاً في الخامسة عشرة من عمره ، وكانت هي متزوجة ، طاردها بالرسائل فقررت أن تضع حداً لطيشه خوفاً من الفضيحة ، لكنه بعد سنوات عام 1954 يسمع صوتها عبر الهاتف ويقابلها في إحدى المقاهي ، ويفاجأ بملامح تقدم السن الواضحة على وجهها وتسأله إن كان لا يزال يشتاق اليها :" عندئذ فقط أخبرتها بالحقيقة وهي انني لم أنسها قط ، لكن وداعها كان قاسياً جداً غيَّر من وجودي " .
وأخبرته أنها كانت تريد أن تطمئن على أحواله " ويخبرها بانه كان يشتاق لرؤيتها.
في عام 1958 كان ماركيز يعيش في كاركاس عاصمة فنزويلا ، صحفي لامع روايته ليس للكولونيل من يكاتبه نجحت نجاحاً كبيراً حتى أن الصحافة الفرنسية اعتبرتها واحدة من أنجح الروايات وشبهتها برائعة همنغواي "الشيخ والبحر" ، كانت ميرثيديس لاتزال تنتظره في كولومبيا ، وفي يوم مشرق قال لصديقه بلينو ميندوثا وهما يجلسان في إحدى حانات كاراكاس بعد أن أطال النظر الى ساعته :" تباً ستفوتني الطائرة " فسأله بلينو الى أين سيذهب ؟ فيجيب وهو ينهض ": سأتزوج " . عام 1958 تنتقل ميرثيديس الى عالم زوجها الجديد الذي لا تعرف عنه ، وستمضي سنوات قبل أن تشعر بالاطمئنان الى هذا الرجل الذي يبدو أنه منبسط ولكنه كتوم وغامض الى حد بعيد أيضاً .