د.فاتن حسين ناجي
"دون خوف. بأفواهنا إلى النور، سنأكل الحديد والحجر".
بتلك الروح الثورية العالية سائرٌ على منهاج مسرحه وعائمٌ في بحار التجريب بين الميلودراما والعبث واللامعقول ، طارقاً أبواب كل أنواع المسرح متخذاً من التنوع في الطرح والتناول أسلوبه الحر غير المقيد ففي بداياته كتب الراحل رياض عصمت القصص والمسرحية القصيرة واتجه بعد ذلك الى نقد العروض ثم اتجه الى التمثيل والإخراج المسرحي
وارتبط النقد والتأليف لديه بفعاليته الثقافية والتداخل الحي إذ إنه اتجه الى التمثيل والإخراج حتى يحقق التجربة العملية مع التجربة الكتابية سواء أكانت في النقد أو التوثيق أو التأليف ، أي أنه تطبّع بآثار التجربة الفعلية الحية منتجاً وفاعلاً حتى تنعكس على الحياة الثقافية لديه ,بدأ يكتب للمسرح بعد عام(1967) بعد نكسة حزيران التي غيرت كثيراً من اتجاهات الكتاب العرب بصورة عامة وكتاب سوريا بصورة خاصة تلك النكسة السياسية التي جعلت من الواقع ميداناً للصراع الفكري والأيديولوجي ومجالاً للإبداع والتعبير حتى تحول القلم والورقة الى ساحة المعركة والنضال المستمر والذي بقي مستمراً الى هذا الوقت وفقاً للمتغيرات والمتحولات على الساحة العربية . وقد رافق مسيرة عصمت المسرحية الكثير من النقد السياسي اللاذع والتهكم الواضح الذي اتخذ من التورية والالتفاف حول الفكرة أسلوباً في التناول ليعبر عن قضايا الفرد العربي في الدفاع عن أرضه ضد القائمين فيها والمحيطين بها حتى وصف مسرحه عبدالله أبو هيف بأنه "صراخ متوجع ومتأمل من أجل الأرض والوطن والحب وكل القيم الجميلة".
قدم لنا أول تجاربه المسرحية هي «القنبلة 1967»و «طائر الخرافة 1968»و «الخسوف 1969»و «والذي لا يأتي 1970» ثم بعد ذلك توجه الى أسلوب متجدد في الكتابة المسرحية فقدم لنا "لعبة الحب والثورة"، "الحِداد يليق بأنتيغون"، "السندباد"، "ليالي شهريار"، "عبلة وعنتر"، "جمهورية الموز"، "بحثاً عن زنوبيا" و"ماتا هاري"
ألّف رياض عصمت 33 كتاباً بين مسرحيات وقصص ونقد. إضافة إلى كتابين مترجمين هما: "سينما الغرب الأميركي" و"التمثيل السينمائي" أشهر كتبه النقدية في المسرح : "بقعة ضوء"، "شيطان المسرح" "رؤى في المسرح العالمي والعربي"،.
من أكثر المسرحيات تهكماً قدم لنا جمهورية الموز كتبها في سوريا 2007عام وجاءت تسمية المسرحية من رحم فكرتها القائمة على المصطلح من الدولة التي تعاني تزعزع في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة التي ليس لها مستوى اقتصادي مرموق بين دول العالم، يبنى محور اقتصادها على عدد قليل من المنتجات كزراعة الموز مثلاً، وذلك يعود الى الخلل القائم في مركز الدولة والذي يديرها ، إذ يعالج عصمت فكرته ضمن مفارقة ساخرة وأسلوب اعتمد على كوميديا الموقف لغرض فضح السلطات وإعلان عدم شرعيتها ، تدور فكرة المسرحية حول جنرال حصل على منصب كبير في الدولة بمحض الصدفة لا غير بعد أن هرب رئيس الجمهورية السابق ووزير المالية بأموال الدولة ولم يبق للجمهورية إلا الموز ليقيم عليه جمهوريتها الجديدة .
مع كل ماقدم لنا رياض عصمت يغيبه الوباء في أحد مشافي مدينة شيكاغو الأميركية في غربة بعيدة عن الوطن .