TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: شاشي ثارور وبغداده المتخيلة

قناديل: شاشي ثارور وبغداده المتخيلة

نشر في: 22 أغسطس, 2020: 07:30 م

 لطفية الدليمي

ربما لم يسمع الكثير من القراء بإسم الدبلوماسي والكاتب الهندي البريطاني المولد (شاشي ثارور Shashi Tharoor ، 1956- .....) ، وهو سياسي وصحفي عرف بمقالاته السياسية والأدبية التي كان ينشرها في ابرز الصحف الهندية ، ومن أشهر رواياته (رواية الهند العظمى The Great Indian Novel) التي استلهم بنيتها الفنية من الملحمة الهندية الشهيرة (المهابهارتا) وأسقط وقائع الملحمة على مجريات حركة استقلال الهند والعقود الثلاثة التي تلت الاستقلال .

عمل ثارور - وهو عضو في حزب المؤتمر الهندي - في بعثات الأمم المتحدة حول العالم منذ 1979 وتقلد مناصب عدة ، ورشحته الهند سنة 2006 لمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة وخسر أمام الكوري الجنوبي (بان كي مون) . 

إثر غزو الكويت وحرب الخليج الثانية زار (شاشي ثارور) العراق مبعوثا أممياً ممثلاً لكوفي عنان ولبث فترة في بغداد ، سمع خلالها نتفاً عن الحياة العراقية كما قدمها له مرافقوه الرسميون وتعامل مع تلك المعلومات بمزاج سائح مسكون بالمحمولات الفولكلورية عن بغداد الأساطير وبطر دبلوماسي هندي مترف إعتاد التمتع بامتيازات المناصب الرفيعة . زار الرجل شارع المتنبي صحبة بعض الصحفيين ولفتوا نظره إلى ظاهرة بيع الأدباء مكتباتهم لإدامة حياتهم ، وقد أمست تلك الظاهرة حينها ثيمة فولكلورية متداولة إختزلت المشهد الإنساني العراقي وحجبت الحقائق اليومية المروعة والأهوال التي عاناها العراقيون تحت وطأة مفاعيل الحروب البشعة والحصار الدولي ، وجعل شاشي ثارور الذي أصبح وزير الشؤون الخارجية الهندية في 2009 هذا الموضوع عنواناً جذاباً لكتابه (محرومٌ من الكتاب في بغداد Bookless in Baghdad) ، ويضم الكتاب مقالات في النقد ومراجعات لكتب وأعمدة صحفية وانطباعات عن الكتابة والكتب والتأملات الأدبية .

كتب ثارور عن تجربته بكيفية تنم عن جهل بطبيعة المجتمع العراقي وتركيبته وتحولاته ، وقدّم رؤيته المحملة بمؤثرات فولكلورية عتيقة عن المدينة كما خبِرها في المتخيل الأسطوري وكما جرى تقديم صورتها المشوشة له بروتوكولياً باعتباره كاتباً ومبعوثاً أممياً من جانب آخر .

يتخذ الكاتب من الكتب المبذولة على أرصفة شارع المتنبي مدخلاً للبؤس الذي عاناه العراقيون و اضطرار الكُتّاب لبيع مكتباتهم متخلّين عن الترف الفكري لصالح لقمة تقيم أودهم ، وعمد إلى تطعيم معلوماته المبتسرة باستطرادات من مخزون أسطوري عن بغداد ألف ليلة وليلة ، وهو يتحدث عن معلومة عابرة سمعها من أحد أصدقائه المطلعين على العالم العربي يخبره فيها أن (بوسعك العثور على تمثال لشخصية شهرزاد الشهيرة في بغداد وحدها) ، وهكذا يؤخذ الرجل إلى شارع أبي نؤاس ليشاهد نصب شهرزاد وشهريار ، ويكشف عن رؤية سطحية منمطة عن شهرزاد ويسهب في وصف ردائها وقسماتها المفتقرة للجمال وتسليطها سحر الحكي على شهريار ، وأذكر هنا أنني تعاملت مع موضوعة الحكي على نحو مغاير في قصتي الطويلة (مالم يقله الرواة) ووظفتُ تنازع المعرفة والوعي مع العجز والتسلط بين شخصيتي شهرزاد وشهريار .

يربط شاشي ثارور بطريقة مفتعلة بين غياب إسم شهرزاد عن التمثال وبين فقدان العراقيين لهويتهم وأسمائهم وكتبهم ! ، ويتحدث بنبرة رثاء فوقية وبمنطق ألف ليلة وليلة ذاته وهو يعاين آثار حروب معاصرة عند مشارف القرن الحادي والعشرين متحسراً على عاصمة الرشيد وألف ليلة وليلة الراسخة في مخيلة تسكنها الأسطورة والتي ماعاد بوسعها أن تتلمس عزاءً لعذاباتها في أساطير أمسها وأصبحت عاجزة عن تدوين حكاياتها .

لاأدري من أي مصدر إستقى ثارور فكرته عن هذا العقم المفترض الذي أصاب بغداد وأدباءها حتى عجزت وعجزوا عن تدوين حكاياتها !! .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram