طالب عبد العزيز
بات من المعيب على السلطات الامنية حديثها عن تشكيل لجنة أمنية، لمعرفة قتلة المتظاهرين في بغداد والبصرة والمحافظات، لا بدَّ لهذه النغمة النشاز، التي نسمعها عقب كل حادثة قتل لناشطين أن تنتهي.
التسويف والتملص من المسؤولية واستغباء الشارع المنتفض ممارسة باتت مفضوحة، بل ولم تعد أي قيمة تذكر لزيارة وزير الداخلية وكبار معاونيه لمدن الاحتكاك المباشر بين المتظاهرين والشرطة، ولن يكون استبدال القادة الامنيين حلاً، هناك خلل كبير في آلية التعامل مع الجريمة. ما يفعله القادة الامنيون الجدد، وعلى الرغم من تظاهرهم بالجديّة، للاسف، لم يتجاوزوا به حدود من سبقوهم. هناك غصة معرفية لها طعم الدم في حنجرة كل عراقي شريف قتل على أيدي مجرمين محترفين او لم يقتل حتى اللحظة هذه.
من استمع لخطاب الناشطة البطلة د. رهام يعقوب، التي قتلت في البصرة قبل ثلاثة أيام يعي حجم الغصة تلك، ومن شاهدها وهي تهتف بحماسة الشجعان، مطالبة بفرص العمل والخدمات والماء الحلو لمدينتها أو وهي تتمثل صورة الحسين شهيداً في سبيل الحق، يدرك بأن من يقتلون بكواتم المليشيات إنما هم قادة البلاد، الذين نفترضهم في قابل الأيام، ومن يقلب صفحات وصور الشهداء الذين سقطوا في ساحة التحرير ببغداد وساحات التظاهر في بقية المدن العراقية يقع على صورة البلاد الموعودة والمتأملة، أولئك الذين حملوا عراقهم مخلصين له، ولم يجدوا تعبيراً عن ولائهم له إلا الدم، فقدموه زكياً، طهوراً.
نعم، ومنذ فجر التاريخ كان الدم وما زال عنواناً لكل حرية، لكننا، وبافتراض التحول العراقي الجديد، نكون قد خرجنا من أنظمة الاستبداد وحكم الدكتاتوريات الى فضاء الحرية والديمقراطية، وبافتراض التغيير الكبير الذي انتجته ثورة تشرين، ومجيء القادة الأمنيين المشهود لهم بالوطنية لا نجد في التعمية وتكرار الآليات سبيلاً الى التحول الذي ينشده الشارع العراقي، هناك حقيقة أمنية كبرى، لكنها مطلسمة، وظلت مبهمة منذ أكثر من سبعة عشر عاماً، لم يجرؤ على قولها أحدٌ. والعراقيون يدركون ذلك، يدركون حجم الرعب الذي يتلبس كبار القادة هؤلاء، ياترى، هل سيأتي اليوم الذي تفصح فيه سلطاتنا الأمنية عن حقيقة ما يجري لنا من مقاتل على أيدي القتلة المجهولين، ومن سيكون القائد الأمني العظيم، الذي يقف مستنداً على شجاعته وطنيته وحجم المسؤولية الملقاة عليه ليقول بفمه عنا اسم من ظل يتلجلج بحناجرنا سبعة عشر عاماً.
في تسجيل صوتي يتحدث والد الشهيدة الدكتورة ريهام عن تطلعه لقبوله مهاجراً في إحدى الدول، هو كابتن بحري معروف ويحمل شهادات عليا وكذلك أفراد أسرته، يرومون الهجرة،وهي فكرة الملايين من العراقيين اليوم، إذ لم تعد أرض العراق وطناً لمثله، هذه بلاد يتحكم برقاب أبنائها اللصوص والقتلة والمجرمون، والسلطات الأمنية التي تدعي الوطنية عاجزة حتى اللحظة هذه عن قول الكلمة الفصل. أما أنا، ومن مجلسي في البيت أجدني منتمياً لمئات الأحرار الذين سقطوا بالبنادق الكاتمة والصريحة، ولم أجد بينهم من تلوثت يديه بالمال الحرام والدم العراقي أو بالخيانة، كلهم كانوا صادقين في وطنيتهم، مخلصين لبلادهم، متطلعين لرؤيتها كبيرة كريمة بين الأمم، لكني، ومثلهم جميعاً، سأظل أتطلع من فروج الزمن الأسود الى اللحظة العراقية الصادقة التي تتلخص بولادة البطل المرجو، حامل صلبان المفجوعين في زمن عزّت البطولات فيه.