حميد الأمين
كان اللقاء الأول مع إسماعيل فهد إسماعيل عندما كان العراق بعيداً رغم أن الوصول إلى حدوده لا يقتضي غير ساعة بالسيارة ،
فقد إجتزت نقطة مراقبة الجوازات في غفلة من رجال أمن نظام العهد السابق في العراق وكنا خائفين نترقب،
وكان للكويت وإسماعيل فهد إسماعيل الدور الكبير أن يؤمن خوفنا فقد كنا نحن الذين لدينا إهتمامات أدبية أول من لجأ إلى إسماعيل الذي بذل كل ما كان بوسعه من أجل تأمين العمل وإلاقامة لأعداد منا ولم يتوقف جهده عند هذا الحد بل قام بتعريفنا على المنتديات الأدبية وعلى مسؤولي الصحف الأدبية في الجرائد و المجلات وساهم في نشر نتاجاتنا الأدبية والفكرية ولم يخشَ سطوة السفارة العراقية آنذاك التي كانت تعمل بعقلية المخابرات الدموية التي لا تقيم وزنا لاحترام سيادة الدول المضيفة لها ثم جاء إنشاء ملتقى الثلاثاء الأدبي وكنت أحد المنضمين له وهناك تعرفت عن قرب أكثر فأكثر إلى صفات إسماعيل فهد إسماعيل الإنسان و الأديب فمن جانب كان كاتباً أدبياً دؤوباً لا يمريوم عنده إلا ويسطر شيئاً ما، وكان غزيرالإنتاج ولكن بتكثيف المعنى وبقى على هذا الحال حتى في نفس يوم وفاته.
أما عن إدارته لملتقى الثلاثاء الذي كان يعقد لسنوات عديدة في مكتبه فلم يكن يفعل ذلك بصفة المهيمن ولا حتى إعتمد التوجيه في كيفية إختيار المواد التي يتم قراءتها ومناقشتها في كل أسبوع بل اعتمد الديمقراطية الحقة وترك للمشاركين إختيارما يرونه مناسباً وبالطبع لم تكن كل الاختيارات مناسبة وكنا نحن مجموعة صغير ة من المشاركين نعترض على ذلك أما هو فيقول لنترك كل أحد يقول رأيه . في النهاية صقل ملتقى الثلاثاء الكثيرمن الآراء وقوّم بعض المعتقدات وكان ذلك بفضل صبر إسماعيل فهد إسماعيل و أناته وطول باله على الجميع أما حين يحتدم النقاش بين بعض الأدباء ولا يفوتني أن أذكر أن الحضور كانوا من مشارب فكرية عديدة فأن إسماعيل فهد إسماعيل يقوم حينها بدور الإطفائي الذي يعيد الهدوء للملتقى . أما المشاركين في المتقى فقد كانوا منحدرين من دول عربية عديدة و بعضهم لا يخلوا من المشاكل في العمل و إلاقامة وكان إسماعيل دائماً
هو حلال المشاكل. إستضاف الملتقى أدباء عرب كبار و مترجمين أذكر منهم الراحل الطاهر وطار والأدباء واسيني ألاعرج وإبراهيم أصلان و المترجم محمد د حو وغيرهم. اللقاء الأخير كان قبل وفاته بثلاثة شهور عندما أصبح العراق قريباً فبعد أربعين سنة من اللقاء الأول أتيح لنا أن نستضيف إسماعيل في مدينة الناصرية بالعراق وقبل أن يصل إسماعيل ويقابل جمهور المدينة كان إسماعيل معروفاً في الأوساط الأدبية والشعبية من الجماهير وحين أذكر الشعبية فهو تأكيداً لكون إسماعيل فهد إسماعيل كان مناضلاً حتى النهاية يدافع عن المظلومين و الفقراء ولم ينفصل عنهم وحين أتم أمسيته الأولى في منتدى أدباء ذي قار طلب الذهاب إلى أحد القطاعات الشعبية التي إستقبلته بحفاوة مساوية لما إستقبل به من قبل أدباء الناصرية وربما تفوقها ولم تنتهِ زيارة إسماعيل فهد إسماعيل للناصرية بأمسية واحدة بل إستضافة طلبة كلية الآداب واساتذتها ثم حضر إسماعيل مساء إلى شارع الثقافة في الناصرية في الهواء الطلق وهناك شاهد كيف يدرب بعض المربين الأطفال الصغار على السلوك الحسن، شاهد مجاميع أخرى من الأولاد تعزف على الآلات الموسيقية وبعدها جلسنا نستمع إلى محاضرة أدبية وقوفاً فقد ضاقت الكراسي القليلة في الحضور بالقرب منهم وعلى الرصيف كانت مجاميع كبير ة من الكتب القديمة و المصادر التي لا نجدها آلان في المكتبات مطروحة للبيع بأسعار أقل من زهيدة . في صباح ذلك اليوم إصطحبنا إسماعيل فهد إسماعيل إلى أهوار الجبايش تلك المسطحات المائية التي يزيد عمرها عن خمسة آلاف سنة والتي كانت ومازالت سكناً و عيشاً للإنسان والطير والأسماك والجاموس وتجول في طرق الأهوار المائية ما بين القصب و البردي الكثيف . في حينها أخبرني إسماعيل فهد إسماعيل بمدى فرحه وإرتياحه لهذه الزيارة التي لا تنسى.
أما الزيارة الأخيرة لإسماعيل فهد إسماعيل فقد كانت قبل عام من وفاته حيث قامت مجموعة من الأدباء الكويتيين والمصريين برفقة الكاتب محمد جواد عبدالجاسم و برفقتي أيضاً بزيارة قرية السبيليات التي ولد فيها إسماعيل فهد إسماعيل وكتب عنها رواية بنفس العنوان. عند الذكرى الأولى لوفاة هذا الإنسان البسيط في سلوكه ومظهره والكبيرفي روحه وأدبه وفكره كان جمهور البصرة الذي يعرف إسماعيل فهد إسماعيل ينتظرنا في مقهى الأدباء وعند قاعدة تمثال السياب وعند مرسى القوارب في شط ّ العرب وفي ضيافة أولاد عمومة إسماعيل فهد إسماعيل في قرية السبيليات التي هي من حواضر بلدة أبو الخصيب وقبل أن ينقضي النهار انتظم جمع الأدباء مع أبناء قرية السبيليات على ضفاف شط العرب وعلى مقربة من بيت الأديب الراحل الذي ولد فيه ولم يكن ذلك التجمع تأبيناً بمعنى المفهوم السائد فقد كانت مضامين الخطابات وكأنها إمتداد لما أسسه إسماعيل فهد إسماعيل من أمسيات أدبية في ملتقى الثلاثاء حينها لم نشعر بغيابه بل كنا نلمس حضوره بجسده وروحه معنا .