علي حسين
أصبح العالم اليوم مسكونًا بشيء اسمه المرأة، فلم يعد من الممكن تشكيل برلمان أو حكومة في أي بقعة من العالم من دون النساء، ذهب العصر الذي كانت تشكو فيه سيمون دو بوفوار في كتابها "الجنس الآخر"، العصر الذي اطلقت فيه عبارتها المشهورة: لا "يولد المرء امرأة بل يصبح كذلك". وقد أثار الكتاب في حينه ضجة كبيرة في فرنسا وخارجها، وقبل سيمون أطلق شاعرنا الزهاوي دعوته الشهيرة لمنح المرأة حقوقها:
وكل جنس له نقص بمفرده
أما الحياة فبالجنسين تكتمل
يكتب علي الوردي: "في عام 1910 قامت ضجة كبرى في العراق حول قضية تحرير المرأة اشترك فيها صفوة المفكرين وقادة الرأي، وعلى رأسهم الزهاوي الذي كتب عددًا من القصائد تدعو إلى السفور دفعت العامة من الناس إلى اعتباره كافرًا يريد إفساد أخلاق الناس ودينهم، وقد سببت له كتاباته الكثير من المتاعب وانتهت بتسريحه من وظيفته في إحدى مدارس بغداد. خلال الشهور الماضية تجددت معركة الزهاوي حول حرية المرأة، لكن لم تكن شوارع الحيدرخانة مسرحًا لها وإنما البرلمان الذي لا يعرف من هو صاحب "أسفري يا ابنة فهر" هذه المرة لم يجد الزهاوي نفسه في مواجهة مع شيوخ جامع الحيدرخانه وإنما مع أحزاب سياسية تصر على أن نعيش معها عصر الحريم.. ففي الوقت الذي صدح فيه صوت الزهاوي في بغداد قبل أكثر من قرن ، يفتي لنا بعض النواب أن قانون العنف الأسري لا يصلح لمجتمعنا، لأننا دولة محافظة وعلى المرأة أن ترضى بالمقسوم. وأجزم لو أن الزهاوي عاد حيًا لأعلن استعداده لخوض المعركة من جديد دفاعًا عن حرية المرأة.
نتذكر الزهاي ودفاعه عن الحرية والعلم في الوقت الذي تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا لقبر الشاعر والفيلسوف، حيث يمتلئ ضريحه بالنفايات وكأنه مستودع.
الزهاوي الذي عاش زمنا ساخنا، كان رجلا مسالم يكره كل ماهو قسوة وعنف ومعارك، إلا معركة الدفاع عن قضايا المرأة، فالرجل الذي ينحدر من عائلة دينية معروفة في بغداد نذر نفسه للدفاع عن حق المرأة في المساواة وحقها في أن تصبح عنصرًا فاعلًا في المجتمع، وكان يدرك أن معركته هذه ستجلب له المتاعب، وتجعل منه لقمة سائغة للمتشددين.
ظل يواصل تحديه للأفكار السائدة:
مزقي يا ابنــــة العـــراق الحجابـــــــا
أســـفري فالحياة تبغي انقلابـا
مزقيــه واحرقيـــــــــه بـــــــلا ريــث
فلقـــــد كان حارســـا كـــذابـا
عبر الزهاوي عن اعترافه الكامل بدور المرأة المهم والكبير في الحياة الأسرية والمجتمع وبناء الوطن ، فيما نعيش اليوم مع برلمان لم يسمع باسم الزهاوي ويريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء دون ان يدرك أن التاريخ لا يرحم.