اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > بريطانيا في العراق ..صناعة ملك ودولة

بريطانيا في العراق ..صناعة ملك ودولة

نشر في: 25 أغسطس, 2020: 06:51 م

رفعة عبد الرزاق محمد

لم يكن يوم 23 آب 1921 يوم تولى الأمير فيصل بن الحسين عرش العراق ، حدثاً تاريخياً مهماً في تاريخ العراق فحسب ، بل كان حدثاً جسيماً ومفصلياً في تاريخ الشرق العربي ،

ولعل خطورته في انقضاء ما سميت بالقرون المظلمة من تاريخ العراق بسقوط بغداد بيد المغول وانتهاء العهد العباسي سنة 1258 م ، وخضوع العراق الى دول أجنبية غازية من مغول وترك وفرس ، وقيام أول حكومة عراقية بنظام ملكي ، وخضوع العراق لنظام الانتداب البريطاني وهو من صور الوصاية الدولية وفقاً لمقررات عصبة الأمم سنة 1920 التي شهدت اندلاع الثورة العراقية الكبرى وما تبعها من تأليف الوزارة العراقية المؤقتة ثم قيام الدولة العراقية الجديدة واستقلالها( بدخولها عصبة الأمم ) في الثالث من تشرين الأول 1932 .

يقدم كتاب ( بريطانيا والعراق .. صناعة ملك ودولة ) الصادر حديثاً عن دار المدى ، إجابات للكثير من الاسئلة التي ترد حول تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 والجهود البريطانية ( وهي جهود ليست خالصة بلا شك ) في هذا التأسيس وما حمله تاريخ العراق منذ الدخول البريطاني العسكري في الحرب العالمية الاولى من متغيرات لها ارتباط جلي بين تغيرات السياسة البريطانية والوضع العراقي بشكل تام . والكتاب في الأصل رسالة دكتوراه قدمها الباحث بيتر سلغليت في جامعة كولومبيا سنة 1976 ثم أعاد كتابته منقحاً سنة 2006 ، ونهد الراحل عبد الإله النعيمي الى ترجمته ، ولعله آخر أعماله .

يقول الدكتور ألبرت ريحاني في تقديم الكتاب :

(( ودراسة الدكتورسلغليت الدقيقة التي تستند إلى طائفة واسعة من المصادر غير المنشورة وتسترشد بحس المؤرخ للطريقة التي تعمل بها الحكومات وتتغير المجتمعات، تساعدنا على أن نفهم، بصورة أفضل بكثير من قبل،أهداف الإدارة الإمبراطورية البريطانية وأساليبها على السواء. ويبين سرد التاريخ السياسي وتحليل السياسة الدفاعية والأمنية بوضوح أنه لم يكن الحظ أو تناغم المصالح بل الإدارة الماهرة والعمل السياسي المتحوط لكن الحازم )).

ولما كان الجانب التاريخي هو المعول عليه في مثل هذه الدراسات التي تعتمد أولا على فهم هذه المعطيات التاريخية . فالكتاب مجملاً يعني بالتغيرات التي حدثت في سياسة بريطانيا المتبعة في العراق منذ احتلالها العراق في الحرب العالمية الأولى وإنهائها العهد العثماني الذي استمر نحو أربعة قرون ، واعتقد أن التغير الأكبر كان في تغيير خططها مع اندلاع الثورة العراقية سنة 1920 ، بدخول إدراكها مرحلة التفكير في إقامة حكومة عراقية تمهد لقيام الدولة العراقية الجديدة بزعامة أحد انجال شريف مكة الذي قاد الثورة العربية ضد العثمانيين ، وهو المطلب الرئيس لرجال ثورة العشرين ، وأن يتكفل نظام الانتداب حماية المصالح البريطانية بشكل أن لا يؤثر قيام الدولة الناشئة الى تراجع حاد للوجود البريطاني في العراق .

تعتمد الدراسة الى مصادر وثائقية بريطانية متنوعة ، وأغلبها كان خافياً على الباحثين العرب ، والعديد منها لم يزل بعيداً عن أعينهم ! ، وأهمها أوراق المندوبين السياسيين في بغداد التي نقلت الى نيودلهي في الهند سنة 1941 ( لعل ذلك بسبب أحداث مايس 1941) وهي الآن في أرشيف الهند الوطني ،وتعد مصدراً معلوماتياً لا يقدر بثمن كما يقول المؤلف .

نتج عن الاعتماد الكلي على المصادر والمراجع الانكليزية ، أن لا نجد إلا القليل من مواقف الشخصيات العراقية النافذة في عهد الانتداب ومناوراتها وصور الصراع بين البلاط الملكي والحركة الوطنية والدوائر البريطانية وفق ما تقدمه الوثائق المحلية ، ومنها المهم والمثير . ويعترف المؤلف في مقدمة كتابه بذلك بقوله : لم أكن قادراً على العودة الى مصادر أرشيفية باللغة العربية . كما ذكر في ببليوغرافية الكتاب أن المواد العراقية هي مصادر ثانوية ( يقصد وثائق وزارة الداخلية وكتب المذكرات) ولم تستخدم إلا بحذر .

كما والملاحظ على الدراسات البريطانية حول المجتمع العراقي ، استغراقها في بيان الموقف المذهبي لحركة المجتمع ، ولما كان المجتمع الفلاحي هو الأكبر في العراق ، فإن المصادر البريطانية تعني بأكثر من غيرها بقضية حيازة الأرض وما يتبعها من علاقات عشائرية ولو كانت بسيطة قبل اهتمامها بقضايا مهمة أخرى كالدفاع والتعليم ، ولعل ذلك يعود الى أن وجودها من جانبه الأمني له صلة بذلك ، بينما كانت صلة الدولة العثمانية بذلك من خلال قربها أو بعدها من الاتحادات العشائرية الكبيرة ، وليس مع تفرعات وأقسام القبائل بشكل تفصيلي ومباشر .

ومن القضايا الخطيرة التي تناولها الكتاب في حديثه عن مقدمات تأسيس الدولة العراقية الجديدة ، قضايا هذه الدولة مع جيرانها الذين ينظرون بارتياب الى ما تخطط بريطانيا في العراق ، فالسلطات الفرنسية في سوريا ولبنان وموقفها من الأمير فيصل الذي أقصته هو وحكومته العربية في دمشق كانت تنظر بقلق كبير الى ما يجري في العراق بعد مؤتمر القاهرة في آذار 1921 ووجه فيه عرش العراق الى فيصل نفسه . وموقف حكام نجد العدائي وفقاً للصراع السعودي الهاشمي المعروف ، أما الجارة الشمالية تركيا فإن قضية لواءالموصل ومطالبتها به لم تنته بعد وكان أملها كبيراً في ضمه الى تركيا الحديثة ، أما إيران فلا ينكر تدخلاتها المستمرة وغموض الموقف الحدودي منذ أيام العثمانيين ،إن الوثائق البريطانية تقدم هنا اندفاع بريطانيا وموظفيها في العراق للدفاع عن الدولة الجديدة التي انشأتها وثبتت أركانها .

وبعد، فان هذا الكتاب يهيء لقارئه فرصة معرفية فائقة ــ وفق نظرة بريطانية بلا ريب ــ لمعرفة قيام الدولة العراقية والجهود المضنية آلت وبذلت لتوطيدها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً . وربما كانت بريطانيا لنجاح العراقيين في فهمهم لمقدرات هذه الدولة ، كانت مجبرة على أن يكون العراق ضمن الدول المستقلة في عصبة الأمم سنة 1932 .

وأود هنا أن أشيد بالترجمة الأمينة والدقيقة للراحل عبد الإله النعيمي ( توفي في 22 حزيران 2019) الذي قدم كتابا يعج بالأسماء والأرقام والنصوص الوثائقية بشكل تشعر وكان هذه قدمت بلغتنا ، مما أضاف للكتاب متعة إضافية للاطلاع عليه وإدراك حقائقه ، لاسيما للنشء الجديد الذي يحاول فهم ما يجري اليوم في العراق من تقهقر لفكرة الدولة المدنية التي أسس العراق بموجبها سنة 1921 وفقاً لأحلام تحققت في سنوات قليلة وغابت في غيرها ! 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

سؤال وجهناه إلى عدد من الشعراء والنقاد : الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري

ماس القصائد: مختارات شعرية استعاديّة

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري
عام

الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري

سايمون ونتشستر*ترجمة: لطفية الدليميإختراعُ اول حاسبة جعلنا نتوقف عن إستخدام جزء من عقولنايعتبر المؤرّخون المعاصرون سنة 1967 سنة مميّزة مثقلة بالوقائع المفصلية: حرب الايام الستة، صيف الحب (إشارة إلى الثورة الشبابية التي عمّت أوربا،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram