TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كواليس: تبريرات منطقية في المسرح

كواليس: تبريرات منطقية في المسرح

نشر في: 31 أغسطس, 2020: 06:32 م

تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.

 سامي عبد الحميد

سواء في كتابة المسرحية وبناء أحداثها ورسم شخوصها أم في إخراج مكوناتها السمعية – القاء الحوار والصمت والمؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية ، أم في مكوناتها المركبة – الممثل والزي الذي يرتديه والماكياج الذي يضعه على وجهه ، المنظر الذي يحيط به والإضاءة المسلطة عليه والمؤثرات البصرية الأخرى مثل الصور المنعكسة على الشاشة ، أم في مكوناتها المتحركة – الممثل والمنظر والإضاءة ، أم في تمثيل شخصياتها وصفاتها وأفعالها وأهدافها علاقاتها ، وبمعنى آخر كل ما نراه ونسمعه ونحن نشاهد العرض المسرحي يجب أن يكون وراءه تبريراً منطقياً مقنعاً وليس مقنّعاً أو مزيفاً .
حتى الأمور غير المبررة مثل التشويهات والمبالغات والمتناقضات التي تقتضيها بعض المدارس الفنية التعبيرية والدادائية والسوريالية ، لها مبررها وهو إفرازات اللاوعي أو الحلم أو الكابوس . وحتى اللا مألوف كذلك الذي يفعله عامل التغريب البريختي له تبرير، هو نقده وإيجاد البديل له.
إن الإقناع عامل مهم من عوامل متعة مشاهدة العمل المسرحي وهذا العمل يبنى على مبدأ – الاقناع والاقناع – اقناع المشاركين بما يفعلونه وإقناع الجمهور الذي يشاهدونه، كيف نقتنع نحن المشاهدين بوجود مايكروفونات أمام شخصيات مسرحية واقعية تدور أحداثها في منزل عراقي تقدم في مسرح صغير ولا يكون الهدف من وضعها إيصال أصوات الممثلين الى الجمهور؟ ، كيف نقتنع نحن المشاهدين بوجود منظر لجدران سوداء رسمت عليه رسومات تجريدة في مصحة لكبار السن ؟ .. وكيف نقتنع نحن المشاهدين بمشهد يظهر فيه عدد من الأشخاص من ثقوب شرشف مائدة يحيطون بممثل يمثل الشخصية الرئيسة في المسرحية ؟ . كيف نقتنع بوجود سكك حديدية موضوعة على خشبة المسرح ولا يمر عليها قطار كيف تقتنع أنت يا متفرج بصرخات مفاجئة يطلقها الممثل من غير تبرير ؟، كيف تقتنع أنت يا متفرج بحركات نشطة وسريعة لممثلين يمثلون عجائز بعمر يزيد على الثمانين سنة ؟.
يقول السيميولوجيون بأن العرض المسرحي شبكة من المعلومات بمعنى أن كل ما نراه ونسمعه في هذا العرض أو ذاك يكوّن دوالاً لها مدلولات بمعنى أشكال لها مضامين . الكلمة دال ولها (مدلول – معنى) والحركة دال ولها مدلول وتبرير ، الايماءة الصوتية دال لها مدلول والإيماءة الجسدية دال لها مدلوله – تبرير ، لماذا نصمم مفردة ديكورية في عرض مسرحي ولا نبرر وجودها الوظيفي أو التزييني ؟ . لماذا يستخدم هذا المخرج كرسياً متحركاً في عرض مسرحي من غير أن يكون هناك شخص من شخوص المسرحية مصاب بعاهة في ساقيه؟
لماذا يقدم ذاك المخرج مسرحية تقع أحداثها داخل قلعة قديمة في إحدى الحدائق ؟ لماذا يتخيل ممثل دور (ماكبث) الخنجر الذي يروم أن يقتل به الملك ( دانكن) في حين يتم قتله بحادث مروري ؟ لماذا يقوم هذا المخرج أو ذاك بحذف مشاهد كثيرة من النص المسرحي الذي كتبه مؤلف قديم إذا لم يقدم تبريراً منطقياً لذلك الحذف ؟ .
كثير من الحالات لا نجد أي مبرر لممثلين في أيامنا هذه يمثلون شخصيات في مسرحية واقعية حديثة يتحادثون فيما بينهم وهم يوجهون خطابهم الى الجمهور بدلاً من توجيهه نحو بعضهم ، صحيح إن الفن ليس استنساخاً للصور الحياتية بل إضافة أو تعديل لها ولكن ما هو المبرر عندما تتحاور شخصيات المسرحية بينما توجه حوارها نحو الجمهور ، في هذه الأيام أُلاحظ أن بعض المخرجين العراقيين وبعض المخرجين العرب يستخدمون الدخان الاصطناعي في عروضهم المسرحية وعندما تبحث عن مبرر لإثارة هذا الدخان لا تجده . وفي هذه الأيام تقدم بعض العروض المسرحية بإضاءة خافتة بحيث يصعب على المتفرج أن يرى وجوه الممثلين وتعبيراتها وكأن المخرجين لا يعرفون أن الإظهار أول وظائف الإضاءة المسرحية ، نعم التبرير مطلوب وحتى اللا مبرر يجب تبريره .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram