علي رياح
بعد أن أنهت البروفة الأخيرة لرائعتها (يا مسهرني) ، اتجهت سيدة الغناء العربي أم كلثوم إلى الفرقة الموسيقية التي صاحبتها في كل تحولاتها الفنية وكانت شريكة لها على الحلوة والمرّة ، وقالت : يا جماعة أنا أشكركم من القلب على مجهودكم الكبير .. كما اتوجه بشكر خاص إلى الشيخ سيد مكاوي ملحن هذه الأغنية .. إنها بحق عمل فني تحفة يستحق عليه كل الشكر!
وبينما كانت أم كلثوم تنسحب من مكان البروفة ، برز الشيخ سيد المعروف بظرافته الشديدة التي تعدّ مضرب الأمثال منادياً كوكب الشرق : يا ست .. أهـرُشي!
ومفردة (أهـرُشي) لدى أشقائنا المصريين تعني مُدّي يدك في جيبك وأعطني حقوقي المالية!
حاولت أم كلثوم المعروفة هي الأخرى بسرعة البديهة أن تجاري سيد مكاوي في ظرافته فأجابت : أهرش إيه يعني ؟ ما أنا قلت : لك كل الشكر!
كان رد مكاوي يفوق التصور : يعني أنا لما أروح أحاسب عم عبد السميع البقال أو قرمة الجزار أو شحاتة الفاكهاني ، حأدفع لهم (كل الشكر)؟!
ضحكت أم كلثوم من صميم قلبها وتوقفت عن مواصلة هذا الحوار (الخاسر) مع واحد من أظرف شخصيات مصر ، وحسمت الموقف بالقول : خلاص يا شيخ سيد .. حقك حيوصلك بالكامل!
هذا الحوار السريع بين نجمين يُحسنان (الحسچة) واللعب بالتعابير ، يعيدني دوماً إلى تلك الخطب النارية التي تلقيها مؤسساتنا الرياضية عندما تطالب كثيراً من منتسبيها أو رياضييها – من خارج كرة القدم طبعاً – بأن يجعلوا من خدماتهم اليومية عملاً تطوعياً .. وكلما طالب إداري أو مستخدم أو حتى رياضي بحقه أو أجوره المتأخرة الزهيدة قيل له : خزائننا خاوية وليست لدينا القدرة على تمشية أمور النادي لأسبوع واحد من الآن!
مؤسساتنا الرياضية وخصوصاً أنديتنا ، تغض النظر عن حقيقة أن الاحتراف قد توغل في كل مفاصل العمل لعباً وتدريباً وإدارة وتحكيماً وطبّاً رياضياً واختصاصات أخرى ، وهي لا تتورع عن دفع المليارات في صفقات تعاقد مع لاعبين من الداخل أو أرباع محترفين مستهلكين قادمين من وراء الحدود ، لكنها تتجاهل مطالب قطاع واسع من العاملين في النشاط الرياضي وديمومته ، وتجيبهم - بجملها الجادة لا الضاحكة - بما صدر عن لسان كوكب الشرق حين طالبها مبدع إحدى روائعها بحقوقه!
حين ترفع كثير من أنديتنا صوتها مطالبة الحكومة بأن تدفع لها ما يديم لها حضورها ونشاطها وبما يؤمّن لها أفضل النتائج ، فإنها تتذرع بأن هذا هو زمن الاحتراف ولابدّ من المال!
وحين تنظر إدارات الأندية إلى حقوق الكثير من رياضييها غير الكرويين ومعهم العاملون في أروقتها ، فإنها تشكو شـُح الموارد وضيق ذات اليد ، وتطلب من هؤلاء رفع أكفهم إلى السماء لعلّ ربنا الكريم يفرجها عليهم - على الإدارات - ليهطل المال الحكومي ، من دون وعد صريح بأن الرياضيين ومن معهم سينالون نصيباً من الكرم الموعود!