TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: شانتي بافين..عبقرية المواطنة

قناديل: شانتي بافين..عبقرية المواطنة

نشر في: 26 سبتمبر, 2020: 07:31 م

 لطفية الدليمي

مدرسة السلام (شانتي بافين) هي فكرة عبقرية للخير الإنساني أسسها رجل الأعمال والأكاديمي الهندي دكتور إبراهام جورج ، وهي جزء من مؤسسته الخيرية غير الربحية التي يمولها من ثروته لصالح المجتمع الهندي وطبقة ( المنبوذين ) على وجه الخصوص .

حصل إبراهام على درجة الدكتوراه في الإقتصاد من كلية ستيرن / جامعة نيويورك، وهو أستاذ مساعد في الكلية ذاتها . أسّس مشاريع استثمارية تعتمد على تكنولوجيا المعلومات المتطورة التي برع فيها الشباب الهنود عالمياً، ولم يكتفِ الرجل بتكديس ثروته كما يفعل أثرياؤنا الميامين بل فكر بتأسيس مشروع طموح أراد له أن ينمو ويزدهر ليفتتح مستقبلاً 100 مدرسة مثل مدرسة السلام ( شانتي بافين ) في كل المناطق الفقيرة المعدمة من بلاده .

أقام الدكتور جورج مشاريع عديدة لرعاية وتمكين المواطنين المحرومين اقتصادياً والمنبوذين اجتماعياً ؛ فالمجتمع الهندي يقوم على نظام طبقي غير معلن يفصل بين الطبقات بشكل عنيف. تقع طبقة المنبوذين في الحضيض من هذا النظام، وهي طبقة معدمة معزولة لايقترب منها أحد ولايسمح لأي فرد منها بلمس أي مواطن هندي أو المرور قربه لئلا يتسبب في اتساخه أو إزعاجه ،فهم يحسبون في أدنى السلم الإجتماعي وفي مرتبة تالية للحيوانات المقدسة، إذ يُترك أفرادها لمصيرهم بلا رعاية أو اهتمام، يتكاثرون في الأكواخ وبين الحيوانات، وتعمل النساء غالباً في أعمال شاقة من بينها مناجم الفحم ومقالع الحجر والنبش في المزابل كما يفعل المعدمون في بلادنا النفطية المنهوبة. 

كرس الدكتور إبراهام جورج جهوده في مجال التعليم الذي تنطلق منه التحولات التنموية بأسرها ووضع في خطته أن ينقذ الأطفال الأشد حرماناً في الهند لإثبات أنهم إذا توفرت لهم التقنيات والتعليم الجيد الذي مكّن الأطفال الهنود الآخرين من التفوق ربما يتفوقون عليهم ، وافتتح بعون من ولديه وبعض المختصين بالتعليم مدرسته الفريدة من نوعها في منطقة مهجورة تبعد ساعة عن ( بنغالور ) حيث التناقض الفاضح بين طبقة المنبوذين المحتقرة التي تعيش بأعداد كبيرة هناك وبين وادي السليكون الهندي الذي يضم شركات التقنية المتطورة وشركات الألكترونيات العملاقة وصُنّاع الثروة الجدد في الهند .

كانت فكرة الدكتور جورج الطموحة أن يأخذ الأطفال من الأسَر المنبوذة في عمر أربع سنوات ويعمل على تعليمهم وتدريبهم حتى مرحلة الدراسة الجامعية، واشترط عليهم حين تخرجهم أن يرتقوا بأسرهم ويساعدوا 100 شخص ليحسنوا أوضاعهم .

كان الصغار جياعاً مرضى نفورين، وبدأت المدرسة بتقديم الغذاء والدواء لهم تحت مراقبة إدارة طبية ملحقة بالأقسام الداخلية ، وفي هذا الجو الآمن والرعاية الإنسانية أبدت طالبات وطلبة نبوغاً ورغبة في تغيير واقعهم ، وأثبت نجاح الطلبة مصداقية رهان الرجل على أن التعليم الجيد سيخلق مواطنين واعين يمكنهم الحصول على وظائف مرموقة بعد الجامعة، وعبر تلك الوظائف سيتمكنون من اختراق الحدود الظالمة للنظام الطبقي الجائر . 

ترك الرجل عمله في جامعة نيويورك وتفرغ لمشروع مدرسته ومشاريع التدريب الأخرى، وتعرض مشروعه لكارثة سنة 2008 أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية وكاد أن يغلق المدرسة التي ضمت أكثر من 330 طالباً ؛ فتصدى إبنه لإنقاذ المشروع بجمعه التبرعات التي حالت دون إغلاق المدرسة محط آمالهم، ثم استعادت شركاته قوتها المالية وواصلت تمويل مؤسسته بالأموال اللازمة حتى أنه غطى جزءاً من تكاليف الدراسة الجامعية للفتيات المتفوقات .

هل من ثري عراقي يمتلك بعض ضمير وانتماء إنساني ليؤسس مشروعاً يجمع فيه الأطفال المنبوذين الذين يبحثون عن قوتهم في مزابل المدن العراقية ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram