فخري كريم
من النواقص الجديّة التي واجهت الانتفاضة منذ انطلاقتها غياب وحدة الموقف والإرادة وتشتت شعاراتها. المؤشر الأبرز على ذلك هو فشل أي جهدٍ لإيجاد إطارٍ تنسيقي ثابت لساحات الاحتجاج والانتفاضة.
يعود السبب وراء ذلك إلى أن كل طرف كان يسعى لإملاء خياراته على الآخرين واحتوائهم، بيد أن المحصلة جاءت موضوعية، وتستدعي الفهم، حيث تأكدت في الانتفاضة الطابع المتعدد للروافد المكوناتية والفكرية والسياسية والنزعات الشخصية، فقد ضمت قوى واسعة قاومت محاولات الاحتواء والإملاءات الفوقية. من هنا فقد حافظت على طابعها كظاهرة اجتماعية سياسية موضوعية عصيّة على الإحتواء.
والحال أن محاولات كسر الانتفاضة وحرفها جاءت من بعض الموجات الحزبوية الآتية من داخل المنظومة التعددية نفسها رغم محاولات تمّيزها وفرض حضورها الجماهيري، ما أدى إلى طغيان هذه الموجات ومحاولة طمس الطابع الشامل والموضوعي للإنتفاضة. وقد لعبت الأهواء الشعبوية التي حاولت مصادرة إرادة المنتفضين وقصرها لخدمة توجهاتها، ما جعلها تنقلب على نفسها، في لحظة صراع الارادات، لتتخذ مواقف مضادة للانتفاضة، بل وواجهتها بالسلاح والقبعات الزرق.
نعتقد أن خطر مصادرة الإرادة من قبل هذه القوى، وقوى أخرى غريبة عن نسيج الانتفاضة، ومحاولة جر الانتفاضة خارج سياقاتها ، يظل قائماً بقوة، ويستهدف إغراق الساحات براياتها أو تهديداتها المبطنة أو المباشرة. ويعرف المنتفضون أن في ساحة التحرير عشرات الخيم للميليشيات والأحزاب الحاكمة لا تخفي هوياتها، ولم تفلح الجهود لتمييزها وكشف ما تروم وما تُفسد.
في ما عدا ذلك، يظل الانقسام الجدي بين فرق النشطاء وخيامهم في ظل غياب التنسيق ماثلاً ، وقد يفعل مفعوله في لحظة انعطافية ليضعف من قواها أو يشقها . المطلوب، إذن، أن تستدرك قوى الانتفاضة الى هذه الناحية، وترى أن وحدتها بشأن مطالبها وشعاراتها الرئيسية هو الأساس في انتصار إرادتها في نهاية المطاف.
إن من بين الإشارات السلبية في جسم الانتفاضة التي تتزايد مداً وجزراً، هو اختزالها في تشكيلة حزبية أو أكثر. إن في هذا خطر لا يقل عن الخطر الذي يأتي من خارجها ومن منظومة الاحزاب الحاكمة والجهات الرسمية التي ترى امكانية احتواء الانتفاضة.
إن تشكيل أي حزب شأن خاص بمن يريده وليس لأي جهة الحق بمنعه. فالتعددية الحزبية والفكرية أساس النظام الديمقراطي. لكن التعدد والتنوع شيء ومحاولات تغيير الواجهات كما حصل في المراحل الأولى لظهور الإسلام السياسي على نحو لا يخلو من نفاق سياسي. إن تحفظنا ههنا له علاقة بمحاولة اختصار الانتفاضة بحزب بعينه.
على عكس تلك المحاولات المشبوهة، وبالضد منها، يتميز جمهور الانتفاضة بحضور فكري وسياسي يجمعه شعار " نريد وطن ". وتحت هذا الشعار عباءات ومعاطف كثيرة لكل من يريد أن يلتف بها في سياق فهمه الخاص لـ " الوطن " وما يُراد منه، ووفقاً لنزعاتهم وهمومهم وخياراتهم الشخصية الفكرية والسياسية. ومن هنا تبرز المهمة الملحّة المتمثلة في تأطير الحركة بكل تفاصيلها وتنوعاتها ومكوناتها وتعدديتها في سياق حركة شعبية واسعة تلتف حول المطالب الاساسية الراهنة :
- انتخابات مبكرة.
- قانون انتخابي يضمن مشاركة حرة لجميع المواطنين ويعبر عن ارادتهم.
- مفوضية نزيهة تجسد إرادة الوطن حقاً بعيدة عن المحاصصة الطائفية، ومتحررة من إرادة المال السياسي الفاسد.
لكن القاعدة التي تتحرك عليها هذه الاهداف تتجسد كأولويةٍ لا تقبل التنازل متجسدة في نزع سلاح الميليشيات وتصفية وجودها، وتجريد الأحزاب المشاركة في الانتخابات من السلاح العلني والكامن. يستدعي هذا الانتباه إلى ازدواجية القوائم الانتخابية التي تحمل اسماً غير اسم القوى التي تمثلها، وهو ما يمكن معرفته وتلمسه من تركيبة الكتل البرلمانية التي تتمثل فيها علناً الميليشيات الوقحة وقليلة الحياء.