سرمد الطائي
ادرك خطاب ثورة تشرين ان الخسارة قرار تتخذه الامم لتخسر، واننا كعراقيين خاسرين لا نمر بنكسة ولا هي خسارة نازلة من السماء كلعنة. لذلك نعلم ان الخسارة يوجد فيها رابح. اما في مصيبتنا فكلنا خاسرون وننزف ونهدر الارواح والسنوات من اجل لا شيء. وهو امر يوجب الحسم والسرعة في التغيير، ولذلك كانت تشرين.
ادركت حركة تشرين اننا لا نمر بمجرد خسارة، بل وبسبب الاحزاب المعارضة لصدام وبسبب صدام حسين نفسه والنظام الثقافي العتيق.. نعيش داخل خطة مصممة لكي تنتج الخسارات فقط. لاننا قررنا البقاء خارج التاريخ. وما نعيشه اليوم هو مجرد تذوق لطعم التواجد خارج التاريخ.
لقد خرجنا منذ ما قبل صدام حسين، من ذوق وقواعد العالم المتقدم وصرنا تدريجيا نخجل من او نكره الموسيقى والسينما، ولا نتعامل مع الشركات الاجنبية، ونقيد حركة النساء، ونشك بكل ما هو حديث، ونبالغ في كل هذه الموضوعات وننشغل بها اكثر من اللازم.
لم نعد في عهد الاحزاب التالية لصدام حسين، شركاء للدنيا. رغم اننا تاريخ لطريق الحرير المار بالعراق والرابط منذ سبعة آلاف سنة بين آسيا واوروبا. لقد اصبح الاجانب القادمون الى العراق يشعرون بالوحشة والخوف والغربة. فقد تقمصنا طريقة حياة لا علاقة لها بالعالم.
ثم انتكسنا تربويا وتنمويا وحتى صحيا، فغرقت مدننا منذ عهد صدام وتدريجيا بعده وفي اطار نتائج حروبه وحروب خلفائه، نعيش في القذارة والازبال، المادية والاخلاقية، وصرنا نسأل انفسنا: كيف يمكن الحصول على مدينة نظيفة؟ اما الآن فعلينا ان نطور السؤال: بعد ان يعيش الناس سنوات طويلة في مدن تملؤها الاوساخ، وتمنع فيها الموسيقى، ويحاصر الشباب، وتقيد المرأة، ويخشى الاجنبي زيارتها او العمل فيها، فهل يمكن ان يحصل الناس هؤلاء على مدن نظيفة وادارة نزيهة؟
لكن الحكاية لم تنته بعد لدى ثورة تشرين. فجعلت من الحراك تحولا في الاسئلة لن يتوقف، ولذلك قلنا انها تحول عميق وثورة. لم تعد تشرين مجرد مظاهرات بل اصبحت ثورة فكرية تطرح اسئلة عظيمة على المجتمع وعلى المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي. صوت تشرين لا يترك لنظام طهران فرصة النوم. ويوقظ شيوخ المنطقة وامراءها على صيغ فكرية جديدة. ويجعل ترامب وامثاله يأخذون العراق على محمل الجد ويقلقون بشأن بغداد. وبشأن المستقبل معها.
لم يكن الشهداء.. من صفاء السراي في ساحة جواد سليم، الى ريهام يعقوب في بلدة السياب، ينزفون دما بل يصوغون اسئلة جديدة للامة العراقية. لذلك كانوا شهداء مميزين. صنعوا اجواء مختلفة وبدأوا قواعد عمل جديدة. تتصارع مع طعم الخروج من التاريخ.
وهل التاريخ الا لعبة جر حبل، طرف فيها مدبر عاقل شجاع، والآخر منفعل يصرخ ويهرب من الاسئلة..؟ ها قد بدأت اللعبة الكبرى. وانتم يا اهل تشرين ميتين او احياء، تبدأون لعبة كبرى عظيمة، وتقفون على اكتاف عراقيين عظماء، حاولوا قبلكم صوغ تلك الاسئلة ونجحوا مرات كثيرة في تغيير قواعد خطيرة. ولذلك قررنا ان نعيش مع احلام تشرين ونموت على مشانقه.