محمد حمدي
تحلّ علينا اليوم الذكرى الأولى لتظاهرات تشرين الشبابية الإصلاحية التي وضعت حدّاً فاصلاً للفساد والمفسدين وهدر حقوق البلاد والعباد، ومع كل ما قيل ويقال وما رافقها من ضحايا وتصعيد كاد أن يودي بالبلاد الى منزلق خطير، إلا أن الوعي الشعبي والمساندة الجماهيرية لجموع المتظاهرين ومطالبهم المشروعة كان لها الكلمة العليا في قول الفصل وبداية كتابة التاريخ مجدّداً نحو الإصلاح ونبذ الماضي وفترته المظلمة التي كان لها تبعات ثقيلة جداً.
بذات السياق وتماشياً مع فصائل الشعب وتعدّد المطالب وتنوّعها، كانت للرياضة وأهلها وجماهيرها وقفة مشرّفة حملتْ قياداتها توقيع نجوم الساحات والقاعات والملاعب من كبار الرياضيين المنجزين، حيث كان ومازال الوسط الرياضي ومؤسّساته تعجّ بالفساد والمفسدين مع تعدّد العناوين والألقاب للمؤسّسات الرياضية، ولكن غايتها في التخريب واحدة وآثارها المتجلّية بهدم الرياضة بادية للعيان، وليس أوضح من شعار جماهير الزوراء العريق ويافطتهم الشهيرة التي حملت تساؤلاً مشروعاً (تسع سنوات ننتظر وملعب الزوراء لم يكتمل) في إشارة واضحة جداً لما يحصل من هدر للمال العام، وتلكؤ ضرب أهم مفاصل الرياضة في البنى التحتية واختزل آهات عشرات الملاعب والقاعات والمسابح التي صُرفت أموالها، ومازالت على حالها، ومن الجانب الآخر فقد أوصل الجمهور الرياضي رسائلهم بحرفية عالية وانسجموا تماماً مع مطالب شعبهم في التصدّي للفساد.
الحقيقة إن الأمثلة كثيرة جداً وميدان التحرير في بغداد أو الميادين الأخرى في المحافظات كانت عامرة بالرياضيين والجماهير معاً، حالات من الرفض الواضح قصمت ظهور المتنفذين وأطاحت بعروشهم أو زلزلتها الى درجة كبيرة جداً تبعث الأمل في النفوس وإن كانت بدرجة مقبولة، وليست كاملة، فطريق الإصلاح مازال طويلاً، والمفسدون مازالوا يتشبّثون، ولم يكفّوا عن تطلّعاتهم في استمرار عجلات التدهور والتخريب!!
الحقيقة إننا مهما تحدّثنا عن الصور المثالية والشجاعة الفائقة لأهل الرياضة وروّادها الأبطال وجماهيرها سوف لن نوفيها حقها بالتأكيد، وأضع روّاد الرياضة بين قوسين فقد كانوا قدوة لأجيال الشباب وقدّموا مطالب الرياضة وشبابها على مطالبهم الشخصية في حالة من الإيثار الذي يحق لنا جميعاً أن نفخر به، كما يجب أن نسلّط الضوء على أبطال نذروا أرواحهم من أجل نقل الحقيقة الى الأرض واضحة لا غبار عليها، وتعرية أهل الفساد ومن يقف خلفهم وقفات مشرّفة جسّدها أبطال الصحافة والإعلام الرياضي بهمّة عالية ومهنية كبيرة جداً كانت مفتاح الحلول لكل أزمة ومرآة عاكسة لحقيقة الأحداث غلّبت مصلحة البلاد على كل مصلحة أخرى وإن أثمرت عن فقدان بعض الزملاء لوظائفهم ومؤسّساتهم بصورة عامة وصحفهم وصولاً الى فصلهم وتعرّض البعض الآخر للسجن والتنكيل!
اليوم وفي ذكرى انتفاضة العراق ضد الفساد والمفسدين وعصابات التخلّف والجريمة ومع ما تحقق من أمور إيجابية محسوسة على الأرض إلا أن الواقع وحجم التضحيات كانت تطالب بالأكثر أو على قدر مستوى الطموح والأهداف بأقل تقدير، ولكن مع مرارة الطرح وواقع الحال فإن الاحساس بضياع القضية مع التصعيد الخطير في الأوضاع والانفلات الأمني الصارخ وما خلّفته جائحة كورونا من تدهور اقتصادي كبير بوجه الحكومة الفتية التي لم تتّضح خطواتها بصورة تامة وإن كان سيرها نحو الإصلاح وئيداً فرضت حالة من الصبر والإحساس بالمسؤولية الكبيرة على أمن الوطن واستقراره ومهّدتْ لفرصة التقاط الأنفاس بعد جولات مريرة، هذه الظروف مجتمعة فرضت حالة الترقّب وليس التوقّف والمضي في طريق الإصلاح وتشخيص مكامن الفساد والفاسدين وجميعنا يعلم أن ساحات التظاهر قريبة جداً وصوت المتظاهرين والمطالبين بالإصلاح في جميع المجالات يعلو على جميع الأصوات، ولن تضيع دماء الشهداء الأبطال هدراً، بل ستثمر وتزهر بتحقيق الأهداف المشروعة.