سامر الياس سعيد
لاتكتفي المؤتمرات المنعقدة من اجل بحث واقع النساء العراقيات، والاطلالة على مشاكلهن وهمومهن في ان تبرز من خلال المقررات والتوصيات الخاصة بتلك الفعاليات ما يلبي طموح تلك المراة المكافحة
التي حفرت في اعماقها المهمومة اخاديد للحزن والشجن بسبب ما واجهته من احداث وما مرت به من محطات ، وقد عنيت سيدات في الاطلالة على تلك العوالم التي بقيت مخفية وراء غمامات التجاهل ، والمجتمعات المحافظة لتصبح صرخات مكتومة ..
ومن بين تلك الاديبات يبرز اسم القاصة والاعلامية سعاد الجزائري التي سعت للانتصار لبنات جنسها في الاطلالة على تلك العوالم التي بقيت مغلقة على النصف الثاني، تكابد من خلال تلك العوالم المقفلة همومها التي تقاسمها حياتها وتشاركها يومياتها ، لتطلق الجزائري بعضًا من تلك الهموم والاحزان وتفرشها على صفحات مجموعتها القصصية التي حملت عنوان (سيدة الظلمة وظلها )..
فمن خلال عنوان المجموعة واحدى القصص التي يضمها الكتاب ،تتوارى مأساة سيدات عانين ما عانين من احزان وهموم بسبب ما واجهوه خلال الاعوام المنصرمة ، وكل قصىة من قصص المجموعة تتحدث عن سيدة وورائها تكمن هموم مئات النساء الذين واجهنا مصيرهن بمفردهن دون اكتراث من المجتمع بتلك الاحزان التي قضمت جزءا كبيرا من حياتهن ، لذلك يحق لنا ان نطلق وصفًا مناسبًا للجزائري ،بكونها عنيت سواء من خلال مجموعتها القصصية التي اصدرتها الى جانب مجموعة اخرى حملت عنوان( الهمس العالي )من ان تصبح متحدثة بهموم المراة العراقية وشريكة الالآمها ، وهي التي كابدت الغربة ومرت بمحطات حياتية متعددة حملت في طياتها تجاربا لسيدة عراقية ، لم يخفت في اعماقها صوت الوطن، برغم ابتعادها عنه، بل بقيت سارية سفينة حياتها التي زارت مرافيء عديدة، لكنها بقيت تحن لمرفأ الوطن ، ومرساتها التي القتها في عمق نهريه الخالدين ،وعند حدود تلكم الانهر انصتت الى هموم قريناتها ، واوجاعهن لتتحدث عنها بصورة سردية مكثفة ، لكنها تختزل ورائها صورًا، ومشاهد رسمتها بعين الكاتب عما تشعر به المرأة العرقية خصوصا ،وان الكاتبة سعاد الجزائري تهدي مجموعته القصصية الى ابطال تلك القصص سواء الحاضر منهم او الذي غاب وترك اثره بين كلماتها المرهفة والمتكئة على حافة زمن يمضي سريعًا..
واذا كانت اسئلة الناقد محمد الغثوان في نهاية قراءته النقدية حول قصة( سيدة الظلمة وظلها ) تثير القاري ليبحث معه عن الكاتبة وراء سطور كل قصة من قصص المجموعة ، ويرسم بمخيلته متزامنًا مع القراءة صورًا وملامح لتلك السيدة ،وهي تكابد مع قريناتها كل الاوجاع التي مررن بها ابطال تلك القصص، حينما يقول (الغثوان) في نهاية مقالته في ان تكون سيدة الظل هي ذاتها سعاد الجزائري ، حيث تبدو اثارة مثل تلك الاسئلة، عتبة للدخول في عوالم القصص والبحث مع الناقد عن ظل الكاتبة او بعض ملامحها لزيادة نسبة الاثارة وقراءة المجموعة بصورة مغايرة ، لو انكرت الكاتبة ذاتها ،من ان تكون بطلات تلك القصص مجرد بنات لخيالها القصصي او مستقاة من محطات حياتية، ربما حملت بعض الواقعية ، رغم ان القاريء ايضًا يدرك ان بعضًا من تلك القصص، ولدت في بيئة غير محلية ،بل كتبت اغلبها كما تشير بتواريخها في نهاية تلك القصص الى العاصمة البريطانيةاو بالادق مستقر الكاتبة في ( لندن) ومارسخت بتلك الذاكرة من ملامح للبطلات ، تعيش مع الكاتبة وتبرز على صفحات قصصها هنالك متقاسمة رغيف الغربة ..
حيث تستهل القصة الاولى التي بعنوان( اخر قطرة) لتشير الى انها منذ زمن تحاول ان تكتب عن نفسها وتواصل فتقول:
بانها حينما تبدا بالكتابة يجف الحبر وريقها ايضا وفي هذه القصة تبرز مكابدات الكاتبة حينما تجلي الغبار عن الفكرة وكانها مثل القطرة لتجسد من خلالها افكار الكاتبة وهي تتابع ولادة القصة التي تبرز في الليل لكنها تتحجب في النهار ..
اما في القصة التالية التي تحمل عنوان (السهم والسيف )فيتوارى من خلال نصها غربة الانسان وخفوت الحياة حينما تتوالى الايام حيث تبرز الكاتبة في سياقها :
بانهما يجلسان الان منفردين بمواجهة سقف كل منهما ولعلها تقصد جدار الروتين القاتل الذي يقوض حياة المحبين ويبعدهما عن عطر الازهار التي تشير الى انها طاطات رأسها نحو الارض ..
وبما ان الحزن يبدو الضيف الغائب الحاضر في تلك المجموعة القصصية حيث تتخذه الكاتبة عنوانا لقصتها الثالثة في المجموعة والتي تحمل عنوان( سور الحزن ) وهي تسور تلك القصة بهواجس الخوف وروائح لطالما استذكرت اين استنشقتها لاسيما وان تلك التعويذة التي علقت بالطفلة ابرزتها لتكون سورا للحزن بدلا من ان تكون سورا لكف المصائب والهموم فتلك القصة تبرز روائح الايام وكيف تتكرر تلك الهواجس في مخيلة طفلة صغيرة تداعب حلمها الذي يتحول شيئا فشيء الى هاجس ..
وفي قصة (سلطة النهد) تكشف القاصة سعاد الجزائري عن مكائد امراة تحاول ان تستميل مديرها فتدرك ان لانوثتها تلك السلطة القوية في ان تحاول استثمار هذا الامر وتوظفه لصالحها فتقول في سياق القصة :
كل ليلة تقضيها مع مديرها يكون ثمنها طرد موظف يهدد موقعها وقبل ان يبتروا جذرها قطعت درب وصولهم الى عرشها ..
اما قصة ( لقاء عند حدود الفجر ) فتحاول من خلاله الكاتبة ، ابراز ساعة لقائها الاولى بوطنها حينما عادت اليه ومع تلك اللحظات التي عاشتها تستذكر الكثير من الذكريات التي دفعتها للابتعاد عنه حيث تقول عن ذلك الابتعاد القسري
تركته قسرا حينما لم يعد امامها سوى خيارين لاثالث لهما اما الموت في الغربة او الموت في سجون تقام فيها حفلات اغتصاب النساء ليلا حينما يرتاح الجلادون من تعذيب الرجال لينصبوا موائد الخمر قرب قاعات النساء فتبدا حفلات الاغتصاب الجماعي ..
بين هذه الكلمات تتوارى الالام سيدة ابتعدت قسرا عن وطنها وشجون ذلك الابتعاد تطل ما بين السطور ، وتتوالى معها الاسئلة حينما اتخذت قرارها بالبقاء والوقوع تحت وطاة تلك الافكار القاتلة ، لاسيما حينما تبرز فكرة العودة بعد ذلك الغياب الطويل عن الوطن، فتترجمه الكاتبة بلقاء عاشقين ولهفتهما في ان يضم الواحد الاخر حيث ترسم بكلماتها للحظة ذلك اللقاء والعناق الذي تتناثر فصوله حيث تختم به تلك القصة المشبعة بالاحاسيس فتقول :
سكتا لفترة من الزمن ثم لفظ اسمها وكانه اهة
-سعااااااااد
فردد صوتها الباكي اسمه
-عراااااااااق
احتضنا بعضهما ثم سقطا معا واستحالا الى رماد ..
في قصة( سر الصغيرة ) تعود الى عالم الطفولة وكانها تترجم ما لتلك العوالم من تماهي مع عالم الكبار بشكل تبدو فيه التفاصيل مقترنة بالكثير من الافكار والرؤى التي لطالما تبرز في سياق تلك القصة فما بين عالم الطفلة الصغير وما بين عالمها حينما تكبر شبه قواسم فلطالما كانت تلك التنبيهات التي تصدر من الاخرين تجاهها والموجهة اصلا لوالدتها لتثير الكثير من الغرابة وتزرع الدهشة في مخيلة تلك البنت فتقول عنه في سياق تلك القصة :
لماذا يخترق الكبار بخطاياهم براءة عالم الصغار دون ان يشعروا بالاذى الذي يمزق كالسكين كل حروف السعادة او الفرح التي يبحثون عنها في سنين عمرهم الاولى واللاحقة ؟
وفي قصتها التي ترثي فيها ما حل بشارع المتنبي قبل نحو عقد من الاعوام حينما قض انفجار ضخم سكينة شارع المكتبات ومزق مئات الكتب وحولها الى رماد ونتف محروقة لابل الاجساد البريئة التي اختارت ان تكون متواجدة في هذا الشارع طلبا للرزق وتوفير قوت اليوم واحال مقهى يتوسد ذلك الشارع الى حكاية ترويها القاصة (سعاد الجزائري) في عنوان مثير هو( وطن للمراثي) وتهديه لوالد الشهداء وصاحب المقهى الحاج محمد الخشالي فاستهلته ببداية تؤشر فيها وداع الابناء بصحبة والدهم لمنزلهم ليبداوا يوما ليس كالايام وكانهم ماضون الى حتفهم حيث تقول في سياق هذه القصة :
بان هولاء الابناء ترعرعوا خلف زجاج هذا المقهى ومنذ زمن بعيد وهم ابناء الحاج محمد الشابندر كما شاعت تسميته حيث يعمل اغلبهم بين حبر اجهزة الطباعة والاتها وبين المقهى الذي تنتشر في جوه روائح الزمن الجميل ورائحة القهوة والشاي بانواعه الحلو والحامض والمر .
وفي عوالم الغربة المسكونة بالدهشة تدون الجزائري القصة التالية التي تقتنص مفرداتها واجوائها من مقهى في لندن حيث تعنونها ب(موعد الغريب )وكانها تطلق اسئلتها الى كل من يتابعها بعيون تتلون بالاستفهام والتساؤل لتنتهي هي ايضا بالقول ما الذي تريده مني ايها الغريب ؟
كما ان قصة (النائم )هي الاخرى تقتبسها الكاتبة من اجواء حياة الغرب لاسيما وهي تدون مفرداتها في محطة الانتظار لمترو الانفاق ويلفتها رجل نائم فتدون ازائه كل ما يخطر ببالها تجاه تلك الشخصية التي انزوت بعيدا عن المئات لتختار ركنا قصيا وتمارس قيلولتها التي تماهت مع ذلك العالم غير ابهة بالفوضى والاصوات التي تعالت حولها وطيلة مشوار ذلك القطار كانت عيناها ترقبان وضعية الراكب النائم وحركة يديه وقدميه اللتان تماهتا في الاستلقاء بكل اريحية رغم ان الوضع لايؤشر في ان يكون ذلك الشخص على ما يرام خصوصا وهي تكتب في تلك القصة :
لم يتحرك النائم ابدا بدا القلق ينتابها وظلت تحدق فيه بشكل ملحوظ لماذا لم ينتبه الاخرون الى امره ؟هي الوحيدة التي انشغلت بغفوته العميقة ينام الاشخاص بشكل اعتيادي في قطار الانفاق وغالبا ما تشاهد من يصحو من نومه ليدرك انه تجاوز محطته والبعض الاخر يستفيق قبل لحظات من وصوله وكانه يمتلك ساعة في دماغه توقظه عند الوصول .
وتتوالى القصص وكانها تطلق من خلالها تنهدات من تشيع بقسوة الغربة وشعر بحنين جارف لايكاد تنقطع نبضاته من عشرات القصص التي تجمعها تلك المجموعة ولعل روح القصة التي تشبعت بها الكاتبة يدعوها لان تزور لاحقا عتبة الرواية ايضا وتطلق في ثنايا هذا العالم الواسع ما ادركته في زحمة تلك السنين وبرودة المنافي التي عاشت في ظلالها لتطلق من خلالها رواية ادب الغربة الذي يمتزج برائحة الحنين والذي يعززه ذلك العناق والاحتضان الذي عاشته في قصتها( لقاء عند حدود الفجر) فوحدها تلك القصة تكتنز الكثير من الاحاسيس التي لو تسنى للكاتبة من ان توجه كلماتها على صفحات رواية بشكل افتراضي لاصبحت سواقي تنهمر من المكابدات والهموم التي قضمت جزءا من روح الكاتبة فيما بقيت روحها الاخرى معلقة بين نهرين خالدين ينثران بقطراتهما وهما بعيدان عنها بالاف الاميال ما يعزز تلك الروح التي تتوهج بالكتابة والنصوص وشمس الحرف تطلق شعاعها الجميل في هذه المجموعة او تلك لتقدم لنا الكاتبة سعاد الجزائري وهي في تلك الصفحات مناجاة لروح المراة العراقية التي لم يغب عنها نحيب الحزن والم الفراق للاحباب وهم يغادرون نحو عالم اخر بعد ان عجز العراق بحروبه واحداثه التي لاتستكين في المحافظة على شبابه فاودع اجسادهم رمال الحرب الممزوجة بالدماء والسجون تلقفت من قال لا للظلم والاستبداد وهو يسدد فوهات النار المشتعلة نحو اجساد الابرياء العزل ..