TOP

جريدة المدى > عام > كتاب سيزان.. حياة الكاتب أميل زولا والانطباعيون.. كم من سوء فهم!

كتاب سيزان.. حياة الكاتب أميل زولا والانطباعيون.. كم من سوء فهم!

نشر في: 11 أكتوبر, 2020: 06:25 م

روما: موسى الخميسي

وأخيراً لقد نشر في إيطاليا كتاب "بول سيزان... حياة " لجون رِوالد: يسرد لنا قصة علاقة صعبة بين الكاتب الفرنسي أميل زولا والرسامين. فواقعية الأول شيء أما انطباعية الآخرين، فهي أمر آخر غير الواقعية.

"عزيزي أميل لقد تلقيت العمل الذي ارسلته الي وأشكر كاتب "روغون مكّارت" على ذكراه العزيزة إياي واستسمحه في أن أُحييه مذّكّراً السنوات التى امضيناها معاً. باندفاعات ذاك الماضي البعيد صديقك الأكثر وداً بول سيزان» هكذا كتب الفنان بول سيزان الى صديقه أميل زولا في 4 نيسان 1886 إثر تلقيه نسخة من الرواية فور صدورها، قصة كلود لانتيي، فنان عاجز عن الإبداع ينتحر شنقاً أمام عمله الأخير، الكبير وغير الكامل. وتظهر من كلمات سيزان القطعيّة الباردة حتى وإن أحال فقط بعبارة "السنوات التى أمضيناها" المضادة للصداقة بين الكاتب أميل زولا، والفنان وبول سيزان في الحال وإن عبرت عنها في الماضي ذلك ،إن صداقتهما ابتدأت في فترة شبابهما والتي جمعت بينهما بتجارب، أحلام وبنضالات خاضاها معاً أولا في محافظة "أكس ان بروفانس" ثم في باريس؛ وبالفعل لقد كانت نضالات لأجل اثبات الذات، الا انها تتعدى هذا الغرض الى اخر مصاحب للاول؛ اعني انها كانت نضالات لاجل اكتشاف صورة جديدة لما هو واقعي.

وأخيراً ظهر الآن في إيطاليا كتاب " بول سيزان... حياة" والذي نشرته دار " دُنْزالّي"بـ 842 صفحة حجم كبير وهو لجون رِوالد الذي نشره بدوره سنة 1948 ثم اعيد طبعه لاحقاً العديد من المرات في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى كذلك. وهذا الكتاب يعالج مشكلاً حاسماً: مشكل العلاقة بين كاتب القصة السارد والفنانين الانطباعيين بعامة وأساسا الفنان الفرنسي الخالد بول سيزان.

ولنبدأ من الدلالة الحقيقية للقطيعة بين سيزان وزولا: وهنا لا يكمن التفسير فقط في وجه الشبه بين سيزان و"كلود لانتيي" لاسيما وإن أميل زولا قد جمع في لانتيي نموذجين؛ سيزان و (مانيه) . كما لا يكفي التفسير بالاغاظة التي أصابت كرامة سيزان ؛ ذلك إن سيزان كان يريد بناء حواراً جديداً مع الطبيعة. كل هذا لا يمكننا من فهم قطيعة الفنان مع زولا، قطيعة دامت الى موت هذا الأخير سنة 1902 بينما سيزان توفي عام 1906. ولذلك يجب أن يكون ثمة أمر آخر. والعلل الحقيقية تطفأ على سطح نص الحكاية الحية التي يرويها ريوالد، نص يفسر موقف زولا من مبحث الانطباعيين. لقد كتب زولا في هذا الشان قائلاً. "المصيبة الكبرى هي أنه ولا واحد من فناني هذه المجموعة حقق بطريقة قوية ونهائية الصياغة الجديدة التي يشاركون فيها كلهم، والتي جزّؤوها في أعمالهم الفنية... إنهم كلهم سابقون ممهدون لها أما العبقري (الذي سيحققها) لم يولد بعد. ما يريدونه يُرى بوضوح، ويمكن أن يكونوا محقين في ذلك؛ بيد إنك تبحث من دون جدوى عن العمل (الفني) الأساس الذي يفرض الصياغة (المطلوبة من جميعهم) ويرغم جميع الرؤوس على الطأطأة. لأجل هذا فان صراع الانطباعيين لم ينته بعد: يظلون دون العمل (الفني) الذي يحاولونه، يتمتمون لكن ليس في امكانيتهم أن يجدوا سبيلاً الى كلمة " .

لكن كيف يمكننا أن نجمع بين قراءة " صالون المرفوضين" والتي كتبها زولا سنة 1863 للاشادة بعمل (مانيه) "فطور على العشب" وبين ما كتبه بعد عشرات السنين؟ لقد كتب جورج مور في كتابه " ذكريات الرسامين الانطباعيين" (1906) ناقلا موقف أميل زولا الذي مؤداه "أن لا أحد من الرسامين الناشطين في الحركة الحديثة تمكن من التوصل الى نتيجة مكافئة للنتيجة التي توصل اليها ثلاثة او اربعة كتاب مشاركين في نفس الحركة. الذين تحركهم نفس الرؤية الاستيطيقية" ثم يضيف مور على لسان أميل زولا هذه الكلمات : "لا يمكنني أن أقبل بأن رجلاً قد حبس نفسه طيلة حياته لرسم راقصة الفنان (ديغاDegas) له كرامة وقوة الروائي فلوبيرFlaubert اوالكاتب غونكور (Goncour» هذا علاوة على أن كلود لانتيه، بطل قصة العمل (المنشورة في ايطاليا عبر دار غارزانتي في سلسلتها( الكتب الكبيرة) ، " له من الصفات التي هي أكثر بروزاً من الصفات التي وهبتها الطبيعة الى ادوارد مانيه" . وفي هذه القصة يبين أميل زولا الحد الذي ظل بحث الانطباعيين دونه لأن الانطباعيين عجزوا عن بناء علاقة مع الواقعي جنيسة لعلاقة القصاصين الروائيين معه، وذلك لأن الانطباعيين كان يعوزهم استثمار ثمرات الأبحاث التي كان يقوم بها أميل زولا في رواياته اذ يحلل مواقع العمل، الطبقات الاجتماعية، التوترات، المجابهات وتطور العلاقات بين الشخصيات. ومن ثمة فان الكتابة من حيث هي التزام مدني، حب للبحث والتحقيق وتأكد دائب من الحق هي خاصية للقصاص (أميل زولا) ولكثير من الروائيين معه البعيدين كل البعد عن الانطباعيين وعن سيزان.

والحقيقة إن الانطباعيين بعد أن قرأوا "العمل" فهموا دلالته وتحيروا. فكتب مونيه الى الفنان بِسّارّو "هل قرأتم كتاب أميل زولا؟ انا اخشى أن يلحق بنا جميعاً ضرراً كبيراً" أما بِسّارّو فأجابه قائلاً "لقد قرات نصف القصة. ليس الأمر كما تقول. إنه كتاب رومانسي؛ لا أدري كيف ستكون نهايته. لا يهم" . وكتب مونيه الى أميل زولا " لقد كنتم متنبهين غاية الانتباه بحيث لم تجعلوا أحداً من شخصياتكم يشبه واحداً منا بيد أنه بالرغم من كل ذلك فاني اخشى أن أعداءنا من بين الجمهور أو من الصحافة يمكن أن يلصقوا بمانيه أو باخرين منا إتيكيت الفاشلين، وكون هذا لم يدر بخلدك يعسر علي التصديق به " . أما أميل زولا فهو فعلا قد فكر بالانطباعيين كحركة واقعية موازية لكتابته عله كان يحيل في الأصل على فنانين يسيرون على خط الفنان كوربيه Courbet أو الفنان بِسّارّو Pissaro أو على خط الفنان مانيه Manet في فترته الأولى، ومن هنا جاء عدم احترام أميل زولا للحركة بأكملها الذي تشهد له به رسائله وروايته. وهذا الأمر هو ما فهمة الفنان مونيه والفنان سيزان.

وفي الختام يمكننا القول إنه فعلاً لمن دواعي الأسف أن يمر وقت طويل كي نقرأ بالايطالية نصاً ثرياً، مكثفاً وأخاذاً. جون ريوالد (1912-1994) الاميركي واستاذ تاريخ الفن، المناهض للنازية ، وقام بأطروحة دكتوراه عن سيزان وأميل زولا بالسوربون عام 1936. ثم أعاد الكاتلاوغ العام للفنان سيزان بتوسيع حجمة والذي نشره ليونالّو فانتوري المناهض بدوره هو الاخر للنازية في نفس العام (1936) بباريس. 

وفيما بعد ذلك تكلف بوكالة ستديو الرسام . وهو الذي حض فيما بعد جامعة "اكس ان-بروفانس" على شرائه والتي تخلت عنه لاحقاً الى بلدية المدينة. ولما توفي ريوالد دفن بمقبرة اكس الى جانب صديقة سيزان الفنان الذي خصص له الناقد الالماني، الذي صار أميركيا فيما بعد، كل حياته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram