ثائر صالح
يشاع عن موتسارت كُرهه للفلوت، ربما جاء هذا بسبب العدد القليل من الأعمال التي كتبها هذا العبقري لأداة الفلوت، فقد كتب اثنتين من كونشرتو الفلوت وكونشرتو واحدة للفلوت والهارب وأربع من الرباعيات مع الفلوت فقط من بين أكثر من 600 عمل كتبه. التقليد ينبع بالدرجة الأولى من مقطع رسالة كتبها الى أبيه.
كان الحديث يدور عن تساؤل أبيه بصدد إكماله كونشرتات الفلوت التي كلف بكتابتها، فيجيبه فولفغانغ: "... لا أتمتع بساعة هدوء هنا... الى جانب ذلك لا يكون مزاج المرء مناسباً للعمل على الدوام. في وسعي بالتأكيد "شخبطة" الأمور طوال اليوم، لكن عندما يولد عمل من هذا النوع ويخرج الى النور، من الطبيعي أنني لا أرغب في الشعور بالخجل من وجود اسمي على ورقة غلافه. زد على ذلك أفقد كل قوتي عندما أريد كتابة موسيقى لأداة لا اطيقها". كما يقال انه أطلق نكتة تقول "ما هو أسوأ من صوت الفلوت؟ الجواب هو صوت أداتي فلوت!". استندت "الإشاعة" في كره موتسارت للفلوت إلى كل هذه الإشارات، لكن ما هو مقدار الحقيقة فيها؟
فور سماعنا أعمال موتسارت للفلوت سيتبادر للذهن السؤال التالي: هل يكره موتسارت الفلوت حقاً؟ فهذه الأعمال تغرق في جمال وعذوبة فائقتين، رقيقة وحميمية في نفس الوقت. من جانب آخر، ينبغي الانتباه عند اقتباس مراسلاته مع أبيه، إذ كان يكتب عكس ما كان يفكر أحياناً، أو على الأقل يراوغ في بعض الأحيان لتجنب التعنيف من أبيه المتسلط، أو حتى لإرضائه مثلما رأينا في كتابة سابقة في المدى. وثالثاً تُمثّل أجزاء الفلوت ضمن الأوركسترا في أعماله الأخرى مقاطع جميلة ومهمة في النسيج الاوركسترالي. كل هذا لا يوحي بكره موتسارت للفلوت.
من جانب آخر قد يكون لتطور صناعة الأدوات دوره في هذه القصة، فكل الأدوات الموسيقية الهوائية (والنحاسية كذلك) تطورت كثيراً في القرن التاسع عشر واكتملت صناعتها في القرن العشرين مما سهل العزف عليها وأعطاها صوتاً أفضل وربما أجمل، وسهل كذلك وزنها على التردد الصوتي المطلوب. أما في عصر موتسارت فكان التعامل مع هذه الأدوات لا يزال صعباً، مما قيد العازف في الإداء والإبداع وبالتالي قيد المؤلف في كتابة نص لا يقدر العازف على إدائه.
من الأمثلة على جمال أعمال الفلوت استمعوا الى كونشرتو الفلوت والهارب التي ألفها موتسارت في 1778 بتكليف من الكونت دو بونيير الذي أخذ هو وابنته دروساً من موتسارت، إذ عزف الكونت على الفلوت وابنته على الهارب. أصبح العمل من الأعمال المحبوبة في قاعات الموسيقى بسبب المستوى التقني الراقي الذي تتطلبه من العازفين المنفردين، وبسبب أناقة ورقة الموسيقى، على الرغم من غرابة التوليف بين الفلوت والهارب في ذلك الوقت.