كتابة / بيتر بوبهام
ترجمة / أحمد فاضل
عادت حمى هاري بوتر مرة أخرى هذا الأسبوع ، حيث ظلت المكتبة الشهيرة فويلز في إنكلترا مفتوحة طوال الليل لبيع آخر مغامراته ،
كما توقعت المكتبات في جميع أنحاء البلاد اندفاعاً شبيهاً برواية الكاتب الياباني هاروكي موراكامي " عديم اللون " ، حيث سجلت مبيعاتها ارتفاعاً كبيراً بلغت أكثر من مليون نسخة في أسبوع واحد ، لكن المقارنات تبقى مضللة ، موراكامي لا يشبه جي كي رولينغ ، إنه كبير مثل دان براون ولا يخفي جمهوره حبهم له .
في روايته الجديدة نجد بطل موراكامي يشبه إلى حد كبير كل أبطال رواياته السابقة ، كتب في الفصل الأول منها :
" كان الأمر كما لو كان يسير نائماً خلال حياته ، أو كما لو كان قد مات بالفعل ولكنه لم يلاحظ ذلك بعد ، عندما تشرق الشمس ، كان تسوكورو كذلك يغسل أسنانه ، ويرتدي أياً من ملابسه الموجودة تحت متناول يده ... يتحدث فقط إلى الناس عند الضرورة ، وبعد المدرسة كان يعود إلى شقته المنفردة ، ويجلس على الأرض ، ويستلقي على ظهره مقابل الحائط ، يتأمل الموت وفشل حياته " ...
سردية الرواية تبدو رمادية مثل بطلها ، ثم تحدث الأشياء ، أشياء مروعة ، تهاجمه الطيور بمناقير حادة حتى يصبح لحمه ممزقاً بطريقة لا يفهمها ، لم يستطع قبولها أو رفضها ، ظل كما هو ، بنبرة صوته الحزين مثل صوت كافكا " .
وُلِد هاروكي موراكامي في كيوتو عام 1949 ، والده ابن كاهن بوذي ، وكانت والدته ابنة تاجر من أوساكا ، قام كلا الوالدين بتدريس الأدب الياباني ، انتقل إلى طوكيو لدراسة الدراما في واسيدا ، إحدى أفضل الجامعات في اليابان ، لكنه قال في سجلات القبول إنه يقرأ الروايات الغربية فقط ، لقد رفض تراثه الأدبي ، وقد ردت المؤسسة الأدبية الأكاديمية اليابانية على أقواله هذه دون أن تتخذ قراراً بإبعاده.
كشاب ، كان انغماس موراكامي في ثقافة الشباب الشعبية يذكرنا بالكاتب والشاعر الغنائي الإنجليزي نيك هورنبي ، بعد الجامعة كانت وظيفته الأولى العمل في محل تسجيلات مع زوجته يوكو التي التقى بها في واسيدا ، افتتح بعد ذلك باراً لموسيقى الجاز والقهوة يديرانه معاً لعدة سنوات ، ثم بدأ في الكتابة ، كانت رواياته ناجحة منذ البداية ، ومع روايته الثالثة " مطاردة الأغنام البرية نشرت لأول مرة في اليابان عام 1982 " وترجمت إلى الإنجليزية عام 1989 والتي استحوذت على إعجاب القراء ، كان يتحدث فيها عن شاب حزين يعيش في اليابان المعاصرة التي لا تحتوي على أي شيء ياباني حولها ، حيث يواجه ظروفاً غريبة .
يعكس غيابه عن اليابان وسفره إلى الولايات المتحدة الأميركية بداية لصفحة انتشاره ، سعى إليها بقوة بدعوة من ناشري كتبه ، تغير هذا فجأة بعد الصدمات المزدوجة لزلزال كوبي عام 1995 والهجمات المميتة بغاز السارين على مترو أنفاق طوكيو من قبل طائفة أوم شينريكيو ، فعاد موروكامي إلى وطنه مسرعاً ، وللمرة الأولى كتب كتباً تتعلق بشكل ملموس بأحداث حقيقية ، عمل غير خيالي يتكون من مقابلات مع ناجين من هجمات الغاز ، وكتاب قصص عن المشاعر الجماعية الناتجة عن الزلزال ، ولكن إذا كانت هذه الأعمال تشير إلى أن موراكامي كان ينتقل إلى روايات " اجتماعية " أكثر شيوعاً ، فقد عاد منذ ذلك الحين إلى المجالات الغامضة والسريالية التي تعتبر منطقته المفضلة ، واستمرت شهرته في التصاعد حيث 1أصدر روايته 1Q84 والتي تألفت من ثلاثة مجلدات عام 2009 ويمكن إرجاع إنتاجية موراكامي المتصاعدة إلى نهجه المنضبط والمنهجي ، فهو يعمل كل صباح ويسعى إلى النوم بحلول الساعة 9 مساءً كل ليلة ، والذي خصص أياماً محددة كل عام لكتابة أعماله الجديدة .
لكن ما سر نجاحه العالمي ؟ يقول مترجمه الأول ، ألفريد بيرنباوم ،
المسؤول عن نسخ كتبه الإنكليزية :
" إن جزءاً من شعبيته تعود لرواياته التي ابتعد فيها عن اليابان " ، لكن آخرين يجدون شيئاً يابانياً مؤلماً في غياب أي ثقافة يابانية علنية في عمله ، مما يعكس حقيقة أن انتصار الثقافة الغربية قد اكتمل الآن في اليابان المعاصرة ، لكن موراكامي يعرف أن الثقافة اليابانية الآن لا يمكن إنقاذها ، لكنه يعلم أيضاً أن شيئاً ما قد فقد ، حيث قال في عام 1990 :
" شيء ما قد تلاشى في هذه السنوات الخمس والعشرين ، نوع من المثالية ، لقد اختفى والنتيجة هو هذا الفراغ الذي يتقاسمه جميع أبطاله ، وكما قال الناقد سيليست لوغمان: " لا المادية نفسها ولا تفضيل الثقافة الشعبية الغربية هما المشكلة ، المشكلة في الفراغ الذي أشار له موراكامي ، هو هذا كل ما في الأمر " .
هذه هي الرؤى التي تلمع من خلال نصوصه والتي تفسر سبب عدم كونها محبطة نهائية ، ولكنها على العكس مبهجة ويابانية بشكل مكثف .
عن / صحيفة الإندبندنت البريطانية