علي حسين
كأن الدرس الذي يقدمه شباب العراق منذ تشرين الأول العام الماضي حتى هذه اللحظة التي رفعوا فيها صور شهيد الانتفاضة صفاء السراي، يثبت أن الأمم الحية يمكنها أن تتغلب على خوفها وعلى آلة القمع والاستبداد، شباب ساحات الوطن الغاضبون ضد سراق الوطن وأحلام الناس، يثبتون لنا جميعا أن هناك بدائل للإحباط وهي الاحتجاجات والتمرد.
ولعل قيمة هذه الاحتجاجات أنها أثبتت أننا شعب لم يُفسد برغم سياسات الإفساد والانتهازية وخطب الطائفية اللعينة ومنهاج المحاصصة الذي مورس عليه طوال 17 عامًا. هذا الشعب لم يفسد ولم يقبل أن يكون طائفيًا رغم أنهم لقنوه تعليمًا فاسدًا، وأصروا على أن يفسدوا قيمه الثقافية.. وحاولوا أن يطعموه غذاء طائفيًا فاسدًا، منتهي الصلاحية..
وأنت تشاهد صورة صفاء السراي تحت نصب الحرية وصور شهداء الناصرية والنجف والبصرة وكربلاء والديوانية وميسان والسماوة وبابل والكوت تدهشك هذه الاستعادة المهمة لقيمة الاحتجاجات وللتضحيات التي قدمها شباب بعمر الزهور، في لحظة تصور فيها زعاطيط السياسة أنهم قتلوا جوهر هذا الشعب ووجدانه، وأحرقوا مساحات الوطنية فيه.
إنها الانتفاضة التي اختطف شعلتها شباب بعمر الزهور كان الشهيد صفاء السراي قد أصبح أيقونتها، هذه الشعلة المقدسة التي تلقفتها الجماهير فتدفقت في ساحات الوطن بعد أن تصور حيتان الخراب أنهم استطاعوا أن يحاصروا روح الاحتجاج والرفض في نفوس العراقيين، ليقدم لنا صفاء ورفاقه الدرس البليغ بالدفاع عن الحق والتمسك به والاستشهاد من أجله.
وأنا انظر إلى صورة صفاء السراي مبتسمًا تذكرت الناطق "المراوغ " عبد الكريم خلف وهو يؤكد خلال مؤتمراته الكوميدية أن لا جرحى في صفوف المتظاهرين متهمًا المتظاهرين، بـ "الذهاب إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات وإلقاء أنفسهم على الأسرة والتقاط صور السيلفي، ليظهروا أنفسهم كأبطال".. ولم يكتف آنذاك بهذه الأكاذيب بل كان يصرخ بأن شباب التظاهرات تلقوا في البلدان الإمبريالية "تدريبًا على أعمال العنف"، واصفًا الشباب بـ"الموتورين".. الناطق الذي كان يصرخ مطالبًا بقنص المتظاهرين من أجل عيون راتب غُمس بدماء الأبرياء، حيث أصر عبد الكريم خلف على أن يردد أقوالًا تبرئ القناصين الذين كانوا يطلقون الرصاص والقنابل على شباب لايحملون سوى كلمات تندد بنظام فاسد، ليصبح شاهدًا على جرائم، جعلت تظاهرات الشباب تُقابل بسخريةٍ وأكاذيب.
في ذكرى "انتفاضة تشرين" دارت مصانع السلطة والأحزاب لإنتاج خطابات زائفة أرادوا من خلالها فرض سلطة فاشية باسم شرعية نظام سياسي فاشل، إنها فاشية الأنطمة الجديدة التي تتستر بالدين لتضع الشعوب في معسكرات السمع والطاعة، أنظمة تريد أان تجدد دماء الاستبداد من خلال اختراع مؤامرات خارجية، وتهيئة الجيوش لحروب أهلية.
باختصار، ستبقى صورة صفاء السراي ورفاقه حية في ضمائر العراقيين ، وستتوارى صورة عبد الكريم خلف مثلما توارت صور الكثير ممن لا يحبون اوطانهم .