تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
بديهي القول إن مفهوم المسرح التجريبي يرتبط بمفهوم (التجريب) وبديهي القول إن المسرح التجريبي يقف بالضد من المسرح التقليدي في الطروحات والتقنيات ولكن متى يصبح المسرح تقليدياً لكي ندعو الحاجة إلى إيجاد البدائل ؟
يصبح المسرح تقليدياً عندما يخضع للثبات والتكرار وصولاً إلى الجمود ويصيب مشاهدوه الملل وهنا يصح القول بأن ما كان تجريبياً في زمن ما يصبح تقليدياً في زمن آخر وهكذا يقتضي التحول . ولكن هل يعني هذا إن المسرح التجريبي يزيح المسرح التقليدي من الساحة الفنية ؟ بالطبع كلا فما زال هناك في بلدان العالم مسرح تقليدي وبجانبه مسرح تجريبي. والحقيقة هي إن المسرح التجريبي لا يقوم إلا على انقاض المسرح التقليدي.
تبلور مفهوم (المسرح التجريبي) أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وعندما تشكلت في أمريكا على وجه الخصوص فرقاً تهتم وتتخصص به أمثال (المسرح الحي) لجوديث ميلينا وجوليان بيك و(المسرح المفتوح) لبيتر فيلدمان وجوزيف شايكن ، (مجموعة العرض) لريتشارد ششنر والتي تحولت إلى (المسرح البيئي) .
أنصب التجريب لدى تلك الفرق بالدرجة الأولى على طريقة العمل على وفق المبادئ التالية :
أولاً – تأكيد العمل الجمعي أي مشاركة جميع أعضاء الفرقة في تأليف النص وإعداده ثم إخراجه حيث يتم تعدّد الابداعات بدلاً من الانفراد.
ثانياً – العيش المشترك أي الجمع بين الحياة الخاصة للفريق والحياة المسرحية.
ثالثاً – الارتجال أي محاولة إيجاد البدائل وتفضيل الأفضل وهنا المقصود بالارتجال الابتكار ، ابتكار الشخصيات الدرامية والمشاهد والأحداث الدرامية من قبل أعضاء الفريق وذلك من خلال التمارين وليس أثناء العرض ومعنى ذلك إعطاء حرية أكثر للممثل.
رابعاً – محاولة اشراك الجمهور في العمل وذلك من أجل ربط الحياة اليومية بالحياة المسرحية كما حدث في مسرحية (الأفعى) لفرقة المسرح المفتوح لشايكن والتي أشبه ما تكون بالاحتفال اعتماداً على موضوعات مختلفة مأخوذة عن جنة عدن وسفر التكوين وقابيل وهابيل.
خامساً – العودة الى الطقس وتغليب الجانب الروحي في الأداء بمحاولة لجر الممثلين والجمهور الى ممارسة تجربة شبه دينية تأثراً بطروحات انطونين ارتو.
كان من أسباب تبلور مفهوم المسرح التجريبي وظهور فرق ليس في أمريكا وحسب بل في بلدان أوروبية أخرى ما يلي:
1 - تزايد الاهتمام بالقضايا السياسية والاجتماعية .
2 - رفض المقولة السائدة (مشكلة واحدة وحل واحد) .
3 - تجاوز الاكتفاء بالدراما المألوفة والموجودة في الساحة الفنية.
4 - التأثر بأفكار اليسار الجديد لكل من (هيربرت ماركوز) وتصحيح النظرة الماركسية لقوى الأيدي العاملة وتغلب قوة التكنولوجيا الجديدة وأفكار (رونالد ديفيد لاينغ) وتصحيح الفكر الفرويدي والدعوة إلى الاهتمام بالسياق الاجتماعي الكلي وأثره في سلوك الفرد .