طالب عبد العزيز
حزين لأنني لم أتعلم الرقص. حزين جداً، إذْ لم تطوّق ذراعي خصر امرأة، في نادٍ ليلي، أو في غرفة، نصف مضاءة، وحزين حزين لأنني لم اتعلم ضبط إيقاع قدمي على البلاط، مع صوت الموسيقى. يالي، لم أرم كتاباً على أريكة ما، في لحظة وجد عارمة، إذ، لم يحدث أن دعتني امرأة لذلك.
ويا لي من رجل، أمضى شطراً من حياته في توقير ما لا يستحق، وهي كثيرة أو وهم كثر، يالها من تربية سيئة، تلك التي تلقيتها، فقد كنتَ وقوراً ما فيه الكفاية. سامحك الله يا أبي، لِمَ إخترتني لأرث محامدك تلك.
وحزين، لأنني أستعجلتُ أكثر من امرأة الى فراشها، لم اشغل يدي طويلاً تحت أقمصة النوم، ولم ألهو بالشعر كما يجب، فانفقت فحولتي ومائي هناك، على الأسرة الرخيصة، في البيوت المحروسة بالشرطة وفي أكواخ القصب وبين الأنهار، ولم أدخر لحظة صادقة واحدة. وحزين لأنني، شربت في الليالي المظلمة جداً الكثيرَ من الخمرة المغشوشة، بما أفقدني أجمل الكلمات. لي أصدقاء، لا أصفهم بسوء، لكنهم، أخذوا بتلابيب أفكاري الى المراحيض، وتقيأوها، هناك، في مجالسهم الخاصة، حتى إذا تذكرتُ لهم حسنة واحدة، أجبروني على تعداد مساوئهم معي، أنا القمتهم الحلو من الكلام، أخذت بأيدهم الى عرائش الكروم، أهديتهم الطريق الى مخابئَ قصائدي وخمرتي، التي أسكر بها، لكنهم، لم يمنحوني فرصة صادقة، وحدي أحتفل بسرَّ حزني ذاك.
كل الذين عرفتهم استبدلوا طرائق حياتهم إلا أنا، بقيتُ عند حدود ما وجدوني عليه، ويوم اخفقت في كتابة القصيدة التي أردت، كان الامرُ لا يعنيهم بشيء، أولئك، الذين تركوني في حيرة ما أنا فيه، وذهبوا الى مسراتهم، في تقبيل الزوجات البليدات، والجلوس في صالات البيت، ينتظرون وجبة العشاء، يطالعون أفلام الاكشن، فيما أنا اتقلب على جمر اللغة ورمضاء المعنى، اشكو غربة من صحبتهم يوماً، أروّض نجوم ليل من فوارسها السهر والحمّى- معذرة سيدي المتنبي- هل قلت شيئاً لا معنى له؟ نعم. أشهدُ الله، أنني، خارج هذا وذاك، ولي مطلق اليقين بأن ما أذكره لا يعني لأحد شيئاً. هذه رزيّة من ابتلته الملائكُ بالشعر والغواية، والمفاضلة بين الكؤوس، وترتيب أجساد النساء على الأسرة. هل قلت ما يخدش ؟ ليكن، فالشعرُ بغيةُ من لم يبق على طاولة أحلامه إلا ما كان كسولاً منسيّاً في طيّة سرير أبيض، أوعطراً في عنق امرأة لم تبرأ من عناقها بعد.
هل قلت شعراً ؟ لا أظنني، لكنني، حزين جداً. فقد طلبت من زوجتي، قبل أربعين سنة، أن ترخي عباءتها على كتفها، ذات مساء، كنا فيه بكازينو المربد، على شط العرب، فأبت إلا أن تكون على رأسها. أقسم أنها لو فعلت، لكنتُ كتبتُ القصيدة التي أردت، آنذاك، لِمَ لمْ تسكبي الحليبَ البضَّ على طاولة حلمي، لِمَ جعلتني اتأمل قبضة الرزَّ البيضاء في كيس النفايات، وقد شئت أراها مائعةً أمامي، فأنا ابن الثامنة والعشرين؟ لِمَ لمْ تأخذي بذراعي الى هناك، وقد أعشبت الموسيقى غرسها في خصور وأكتاف النساء؟ مالي، ومنذ خمسين سنة، أبحث عمّن تأخذني الى سريرها مخموراً، تقطرُ جسدي على عربة كتفها الى ينابيع المعنى الأولي، عمّن تحدثني عن سحر الموسيقى، وإخفاقي في تعلّم الرقص، عمّن تخلع حذائي، لا خشية أن يتسخ شرشف النوم، إنما لأنعم بحلم أجمل، كيما اكتب القصيدة الأخيرة.