TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: مثاباتٌ سوسيولوجية

قناديل: مثاباتٌ سوسيولوجية

نشر في: 7 نوفمبر, 2020: 06:50 م

 لطفية الدليمي

حكايتي مع السوسيولوجيا ( علم الإجتماع ) حكاية ممتعة تنطوي على الكثير من الخفايا المدهشة ، ولاأجد غضاضة في الحديث عن تفاصيل محددة فيها بقصد تأكيد الحقيقة التي تقول أن بحثنا الشغوف في تأريخ الأفكار في أي ميدان معرفي يقودنا إلى معرفة شخصيات لامعة لها بصمتها الراسخة في ذلك الميدان .

أنا حكّاءة وراوية قصص وأفكار في المقام الأول ؛ لذا يكون أمراً محتّماً لي - كما لأقراني - أن أشغف بالتفاصيل الصغيرة المؤثرة في حياة الفرد وعلاقاته مع الجماعة البشرية التي يعيش معها ؛ ومن هنا كانت بداية اهتماماتي بالسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا البشرية . تمظهر إهتمامي السوسيولوجي المبكّر في قراءة كلاسيكيات السوسيولوجيا العالمية المعروفة وبخاصة الكتابات المرجعية لكلّ من ( ماكس فيبر ) و ( إيريك فروم) ، ولست أخفي هنا إعجابي الكبير بكتاب ( الأخلاقيات البروتستانتية وروح الرأسمالية ) لفيبر ، وكتاب ( أن نتملّك أو أن نكون ) لفروم ؛ أما في حقبة مابعد سبعينيّات القرن الماضي فقد شدّتني كثيراً مؤلّفات السوسيولوجي - الفيلسوف ( زيغمونت باومان ) ؛ غير أن قراءاتي في السوسيولوجيا العراقية تمحورت حول مؤلفات القطب العراقي الأشهر ( علي الوردي ) التي كانت تتّسم ببساطة محبّبة جعلتها قريبة من ذائقة أعداد كبيرة من جمهور القرّاء .

حصل في نهاية ستينيّات القرن الماضي أن وقع بيدي كتاب بعنوان ( الإنسان في المرآة : علم الأنثروبولوجي في الحياة المعاصرة ) لمؤلفه ( كلايد كلوكهون ) وبترجمة ممتازة للدكتور الراحل ( شاكر مصطفى سليم ) ، وشكّل هذا الكتاب بداية لتعشيق إهتماماتي السوسيولوجية بالأنثروبولوجيا ( والثقافية منها بخاصة ) ، وأعجبني في الكتاب تضمين الدكتور سليم لشروحات مستفيضة لكلّ المفردات والشخصيات التي جاءت في الكتاب وعلى نحو جعله مرجعاً ممتازاً يختلف عن المنشورات التقليدية لانه كُتِب بطريقة جعلته قريب الصلة بحياة الفرد وليس على الطريقة الأكاديمية المتيبّسة السائدة في أوساطنا الجامعية ، وفي الوقت ذاته كان بعيداً عن التبسيطات المُخِلّة التي تتناغم مع المواضعات السائدة المتكلّسة في اللاوعي الجمعي .

تطوّرت المباحث السوسيولوجية المعاصرة لتكون خلطة معرفية متعددة التوجهات في النظرية الإجتماعية ، وقد غدت المقاربة متعددة التوجهات هي المسلك المعتمد في كل الدراسات الثقافية والعلمية من خلال توظيف مفهوم الأنساق أو النُظم Systems لأجل الكشف عن التشابكات الدينامية بين الفرد والتكوينات الإجتماعية الهيكلية السائدة .

تابعتُ في ثلاث سنوات الأخيرة قراءة بعض المصنّفات السوسيولوجية ، وأودُّ هنا الإشارة بشكل خاص إلى كتاب ( في علم إجتماع المعرفة ) الذي نشرته دار المدى ، وهو في الأساس رسالة الدكتوراه التي قدّمها الراحل علي الوردي لنيل الدكتوراه من جامعة تكساس ، وقد جوّدت الدكتورة ( لاهاي عبد الحسين ) في ترجمته الرائعة . ثمة أيضاُ كتاب ( نهاية العالم كما نعرفه : نحو علم اجتماعي للقرن الحادي والعشرين ) لمؤلفه ( إيمائوئيل فالرشتاين ) ، وكتاب ( علم الإجتماع ) لمؤلفه ( أنتوني غيدنز ) واللذان ترجمهما الراحل الصديق ( د. فايز الصياغ ) بطريقته الإحترافية المعهودة . لايمكن أيضاً التغافل عن الكتب المرجعية العديدة والمهمة للمؤرخ الراحل ( إريك هوبزباوم) ، وهو وإن كان مؤرخاً لكن كتاباته مشحونة بحمولة سوسيولوجية رائعة ، وأراني مدفوعة للإشادة الكبرى بسيرته الذاتية ( عصر مثير ) التي نشرتها دار المدى ؛ فهي مثال نموذجي للكيفية التي تغدو بها حياة فردٍ ما متأثرة بطريقة ديناميكية فاعلة بالمؤثرات التي شكّلت العصر الذي عاشه .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram