علي حسين
ضحكت وأنا اقرأ برقيات التهنئة التي أرسلها بعض السياسيين العراقيين يهنئون السيد جو بايدن، ويحاولون أن يخبّئوا شعار "أمريكا بره بره" في أحد الأدراج، ونسوا أن هذا هو بايدن نفسه الذي هاجموه عام 2014، أيام كان نائبًا للرئيس أوباما، وطالبوه بالكف عن دس أنفه في شؤون البلاد والعباد.
كنت أتمنى على سياسيينا، وهم فرحين بتولي بايدن رئاسة أمريكا، أن يواجهوه بالحقائق وأن يقولوا له إن العراق لم يعد يتحمل أن يكون حقل تجارب، وإن العراقيين لم يعودوا يقتنعون بحفلات تنكرية لتنصيب أوصياء ومتسلطين.. فالناس لا تريد استبدال نظام دكتاتوري تخلصت منه عام 2003 بمساعدة أمريكا بنظام فاشل يتخذ من الديمقراطية ستارًا وبدعم من أمريكا أيضًا.
يدرك العراقيون جميعًا أن بلادهم تعيش المرحلة الأخطر، وأن العديد من ساستنا يسعون إلى فصم عرى البلاد وتفريقها شيعًا وأشياعًا، حتى أن البعض صار يعتبر وجود مواطن عراقي من أهل الأنبار في البصرة مؤامرة على الأحزاب الشيعية، تخيل جنابك متظاهر يقتل برصاص القوات الأمنية، وبدلًا من أن نستنكر جريمة قتله نتساءل: ماذا يفعل في البصرة وهو في الأصل من الأنبار؟.
الشاب عمر فاضل الذي خرج مع زملاء له للاحتجاج على الفساد والانتهازية السياسية، دفع حياته ثمنًا لحالة من التوحش البشري، ولم تنته القضية عند هذه النقطة، فكان لا بد من البحث عن سجل نفوسه لنكتشف حقيقة "المؤامرة"، أن أصوله من الأنبار، ولم يشفع له أن والده تزوج من امرأة من البصرة وأن عمر من مواليد البصرة.. ففي أعرافنا الطائفية لا يحق لمواطن عراقي أن يعيش في محافظة لا تنتمي إلى مكونه الطائفي.
بالأمس فازت كامالا هاريسة بمنصب نائب الرئيس بايدن ولم يعترض أحد لأن أصولها هندية، ولم يسأل احد في امريكا كيف يصبح جو بايدن رئيسا وهو من اصول ايرلندية وقد جاء هنري كسينجر إلى أميركا صبيًا ولم يصبح مواطنًا أميركيًا، إلا بعد أن بلغ الثامنة عشرة من عمره، لكنّ هذا لم يمنع البيت الأبيض من أن يسلّم مفاتيح سياسته الخارجية بيد هذا الألماني القصير القامة، ولا أريد أن أُذكّر جنابكم الكريم بأن الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي ابن مهاجر من المجر، ولم تقم قائمة الإعلام ولا الفضائيات حين قالت الحاجة الكينية سارة عمر، جدة الرئيس السابق أوباما: اللّهم أدخل حفيدي أوباما الإسلام. وقد جعلت فرنسا رشيدة داتي وزيرة للعدل من دون أن تسألها لماذا ولدت في المغرب.
لقد ألغت الأنظمة الحديثة الحدود الجغرافية، وأصبح البحث عن الأصول اختراعًا عراقيًا بامتياز، حُرم مئات الآلاف من العراقيين من حقوق المواطنة وهُجّروا وبيعت ممتلكاتهم، لأنّ القائد الضرورة كان يشك في أصولهم!.