"كورونا" يُغيّر بوصلة السياحة من إيران إلى كردستان تاركًا خسائر ثقيلة
"جردة حسابية" تبين مقدار العمولات التي تجبى على حساب السائح الداخلي
واسط/ جبار بچاي
أكثر من شهرين يُفتشُ سرمد حميد عن فرصة عمل تناسب تحصيله العلمي "تقنيات الحاسوب" بعد أن وجد نفسه فجأة على رصيف البطالة إثر تسريحه إجباريًا من قبل إدارة شركة السياحة والسفر التي يعمل فيها لعامين يدير نظام الحجوزات وقطع التذاكر للزبائن.
لم يكن سرمد وحده رمته الاقدار على رصيف البطالة، فهناك المئات من العاملين في قطاع السياحة والسفر سرّحتهم الشركات نتيجة الشلل الذي أصاب هذا القطاع إثر جائحة كورونا وإغلاق الحدود بين البلدان خاصة مع ايران التي تمثل وجهة سياحة مرغوبة لدى العراقيين عامة والواسطيين على وجه الخصوص لبساطة إجراءات الدخول ورخص الاسعار.
ويعد صيف 2018 أكثر مواسم انتعاش السياحة بين العراق وايران بعد رفع تأشيرة الدخول بين البلدين، على العكس من الموسم المنتهي الذي فقد العراقيون فيه تحقيق أحلامهم بصيف بارد وسياحة دينية في رحاب العتبات المقدسة بمدينتي قم ومشهد أهم محطات سفرهم الى ايران بسبب وباء كورونا قبل أن يتم تغيير بوصلة السياحة نحو اقليم كردستان من خلال برامج سياحية قصيرة (4 ــ 5) أيام لكن تلك البرامج جوبهت بانتقادات حادة من قبل غالبية السائحين بسبب الكومشنات التي دخلت ميدان السياحة فأفقدته عذوبته.
ثلاثة اتجاهات ماتت..
يقول سرمد إن "نشاط الشركات السياحية أصيب بالشلل التام هذا الصيف وسبب خسائر كبيرة لها فأغلقت مكاتبها وسرّحت موظفيها لكنها استمرت بدفع الرسوم والضرائب وبدلات الايجار مما يزيد خسائرها".
موضحًا أن "الشركات السياحية تعمل بثلاثة اتجاهات رئيسة هي، قطع تذاكر السفر، الحصول على تأشيرة الدخول للراغبين بالسفر من بعثات وقنصليات البلدان التي يقصدونها، والاتجاه الاهم هو تنظيم الكروبات السياحية وإعداد برامج سياحية تتضمن جانبي السياحة الدينية والترفيهية".
مشيرًا الى أن "غلق الحدود بين العراق وايران خلال آذار الماضي إثر ظهور إصابات بفايروس كورونا في ايران أوقف كل هذه الاتجاهات ومثل صدمة للشركات السياحية التي منيت بخسائر كبيرة بعد موسم من الانتعاش الملحوظ الصيف الماضي نتيجة رفع تأشيرة الدخول بين البلدين".
ويكشف على الحمداني، أحد العاملين في قطاع السياحة بمحافظة واسط عن أن "بعض الشركات في المحافظة أعدت برامج سياحية خفيفة وغير مكلفة تكون بنهاية كل اسبوع محددة بمحافظة ايلام المحاذية الى واسط ".
وأوضح "أعددنا برنامجًا سياحيًا بثلاثة أيام، الخميس بعد نهاية الدوام والجمعة والعودة مساء السبت، وهذا البرنامج مختصر بمحافظة ايلام (ساعتين ونصف عن واسط ) وبسعر زهيد جدا يبلغ 35 دولارًا يتضمن النقل ذهابًا وايابًا والسكن مع وجبة فطور ويشمل البرنامج جولات في الاماكن الترفيهية والمجمعات التسويقية إضافة الى الجانب الطبي والعلاجي لكن البرنامج مات أيضًا بسبب الجائحة وأصبح مجرد أحلام".
وأعلنت السلطات الايرانية في التاسع عشر من شباط 2020 عن تسجيل حالتي إصابة بفايروس كورونا في مدينة قم، سابع أكبر المدن الايرانية وأول مدينة في ايران يقصدها العراقيون بقصد السياحة الدينية.
وعلقت وزارة النقل العراقية في العشرين من شباط 2020 رحلاتها الى ايران، ضمن إجراءات جاءت على خلفية تسجيل إصابات بفايروس كورونا في إيران خاصة مدينة قم مقصد العراقيين، ورافق ذلك أن أصدر وزير الداخلية العراقي السابق، ياسين طاهر الياسري، قرارًا بوقف منح التأشيرة السياحية للقادمين من إيران في المنافذ الحدودية بشكل مباشر.
برامج سياحية في خبر كان
من جهته يقول الحملدار والدليل السياحي لحملة البيت المعمور في قضاء الموفقية بمحافظة واسط، عبد الرضا شهيد فليح "بسبب وباء كورونا وغلق الحدود أصبحت البرامج السياحية الصيفية في خبر كان".
وأضاف "وضعت في برنامجي السياحي للصيف الحالي مناطق ومدن وأماكن سياحية جديدة بعد أن كان النشاط السياحي سابقا يختصر على قم ومشهد واصفهان وشمال ايران إضافة الى العاصمة طهران، لكن البرنامج لم ينفذ بعد غلق الحدود".
ويربو عدد الشركات التي تعمل في قطاع السياحة والسفر بمحافظة واسط نحو مائة شركة ومتعهد "حملدار" يعمل أغلبها من غير تراخيص رسمية من رابطة شركات السياحة والسفر في العراق، بينما القليل منها مرخصة.
ويعود ارتفاع عدد تلك الشركات والمتعهدين الى الرغبة الكبيرة لمواطني واسط بالسفر الى ايران على مدار السنة لغرض زيارة العتبات المقدسة أو بحثًا عن أطباء جيدين أو لغرض السياحة والخلاص من صيف العراق اللاهب، ويشجع على ذلك تراجع العملة الايرانية (التومان) أمام الدولار الامريكي والدينار العراقي .
خسائر كبيرة
ويرى متخصصون بالشأن الاقتصادي أن ايران تجني ارباحًا كبيرة إثر توافد المجاميع السياحية العراقية ما يساعدها بالتخفيف من ضغط العقوبات الامريكية المفروضة عليها.
يقول الدليل السياحي حسن عليوي إن "تداعيات كورونا وغلق الحدود بين العراق وايران أدى الى خسائر كبيرة لدى الجانبين، خاصة شركات السياحة فقد أصيبت بخسائر كبيرة لتوقف السفر الى جميع الدول وليس ايران وحدها".
مؤكدًا أن "قطاع الفندقة والسياحة في ايران مني بخسائر كبيرة لتوقف النشاط السياحي مع العراق، إذ تشير التقديرات المتداولة بين شركات السياحة والسفر العراقية الى أن أكثر من مليوني زائر عراقي يفدون الى ايران سنويًا بقصد السياحة أو لأغراض التطبيب والعلاج ".
وأشار الى أن "الاجراء الذي سعت اليه ايران العام الماضي برفع رسوم تأشيرة الدخول كان الغرض منه جذب أكبر عدد من العراقيين الذين يفضلون ايران وجهة سياحية قريبة ورخيصة".
واتفقت طهران وبغداد في الحادي عشر من آذار 2019 خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى بغداد على إلغاء رسوم تأشيرات الدخول بين البلدين ابتداء من الأول من نيسان 2019 بعد أن اقترحت ايران إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين لكن العراق رفض ذلك ووافق على الغاء رسوم التأشيرة فقط .
وكانت رسوم تأشيرة الدخول الى ايران 40 دولارًا، وهي تأشيرة متبادلة من حيث المبلغ لكنها ترتفع في العراق خلال الموسم السياحي الى 50 دولارا بسبب الطلب المتزايد عليها من قبل الشركات السياحية.
وفي السابع من تشرين الأول 2019، أعلنت سفارة ايران في العراق عن إلغاء تأشيرات الدخول للرعايا العراقيين الراغبين بزيارة إيران من تاريخ 24 تشرين الأول وحتى 27 كانون الأول 2019 واعتبرت الختم الذي تسجله دائرة الجوازات عند منافذ الدخول الى الاراضي الايرانية يمثل تأشيرة الاقامة لمدة شهر، ثم عادت ثانية لتجديد المدة التي استمر العمل بها لحين غلق الحدود بين البلدين على خلفية انتشار وباء كورونا.
شلل سياحي في ايران وإغلاق للفنادق
المجاميع السياحية العراقية التي أنعشت قطاع السياحة في ايران باتت حلما يراود مُخلية السيدة خانم مالدار، مدير فندق شارستان في ميدان طبرسي بمدينة مشهد الذي لم يدخله سائح عراقي واحد منذ آذار 2020 وحتى الآن كما تقول السيدة الايرانية ذات الجمال الباذخ، وتضيف بعد التواصل معها عن طريق الواتساب :
إن "الفندق الذي يستوعب 400 شخص مغلق منذ آذار الماضي بسبب كورونا وغلق الحدود، لذلك سرحنا كل الموظفين والعمال".
وتقول الدليلة والمرشدة السياحية في مدينة مشهد هدية بن طرفي إن "90 بالمئة من الفنادق في مشهد أغلقت أبوابها وكذلك الشركات السياحية والوضع يوما عن يوم يسوء أكثر".
هدية التي كانت تؤمن الحجوزات الفندقية للمجاميع السياحية العراقية مقابل خمسة تومان عن الشخص وتتعامل مع أكثر من 20 شركة سياحة عراقية وتجني من خلال عملها مبالغ تعتقد أنها جيدة، أصبحت اليوم بلا عمل ومثلها علي أكبر، الذي يعمل سائق باص في شركة "بل صبا" في العاصمة طهران أصبح أيضًا بلا عمل.
يقول أكبر بعد التواصل معه عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي "بعد أربعة أشهر من توقف عمل الشركة وجدت أخيرًا فرصة عمل في تقطيع الحجر بأحد المصانع الأهلية". مضيفًا أن "أغلب الفنادق والمراكز السياحية في ايران مغلقة بسبب فايروس كورونا والحافلات شبه معطلة لذلك أغلب السواق في شركات النقل غيروا وظائفهم من أجل العيش".
البوصلة تتجه نحو كردستان
العراقيون الذين اعتادوا السفر والسياحة في السنوات الاخيرة الى دول عدة مثل ايران وتركيا ولبنان ومصر وسوريا والسعودية وأذربيجان ودبي وماليزيا وغيرها من الدول الاخرى سواء بقصد السياحة الدينية أو الترفيهية أفلسوا من متعة السفر في الموسم المنتهي بعد غلق الحدود بسبب جائحة كورونا، لكن الأمل دب بينهم بعد رفع السلطات العراقية في اقليم كردستان إجراءات منع دخول الوافدين بشكل تدريجي خلال عيد الأضحى المبارك، فتغيرت بوصلة السياحة نحو محافظات الإقليم، أربيل والسليمانية ودهوك لكنها كانت عرضة للابتزاز والكومشنات.
تقول أم علاء وهي مواطنة من محافظة واسط لـ(المدى)، "لقد اعتدنا السفر سنويًا الى ايران لقضاء فترة هناك خلال فصل الصيف وبعد أن حرمنا من المتعة الجميلة الصيف المنتهي سافرنا كعائلة الى اقليم كردستان مع إحدى الشركات السياحية في بغداد".
وتضيف "السياحة الداخلية بائسة ومتخلفة ومجرد هرج مرج و(إطلاق نفاخات) يقوم بذلك الادلاء السياحيون إضافة الى سعي الكثير منهم للحصول على الكومشنات على حساب السائح".
أساليب غير مهنية
توضح زميلتها اسراء الكناني ذلك بالقول إن "الدليل السياحي يلزم السائحين والكروب بتناول الطعام في مطاعم معينة واتضح لنا فيما بعد أنه يحصل على عمولة من صاحب المطعم على حساب السائحين وهذا لم يحصل قطعًا في سفراتنا الى ايران".
وتؤكد أن "الشركة التي ذهبنا معها أجبرتنا على التوقف في أحد المطاعم الخارجية في طريق العودة لتناول الفطور وكان مجرد صحن شوربة مع بيضة واحدة ورغيف خبز مع كوب شاي بسعر سبعة آلاف دينار".
وبلغة ضجرة تقول "عند الاعتراض لدى صاحب المطعم، همس أن مرشد الكروب يحصل على الفي دينار كعمولة لقاء كل شخص يتناول الطعام في المطعم وألف دينار عن كل شخص لا يتناول الطعام وهذا كله يتحمله المسافر وهو سياق يفرضه صاحب الكروب ونحن كأصحاب مطاعم نقبل به مرغمين بسبب فترة التعطيل الطويلة".
هذه الحقيقة المؤلمة يؤكدها الدليل السياحي حيدر.. وهو من محافظة واسط لكنه يعمل منذ عامين كدليل ومرشد سياحي مع إحدى شركات السفر والسياحة في بغداد إذ يقول "الشركات تطرح برامجها السياحية بأجور زهيدة بالكاد تسد تكاليف النقل والفندق وذلك بهدف جذب المواطنين لكنها في الواقع تربح من العمولات المتفق عليها مسبقًا مع أصحاب المطاعم على وجه الخصوص".
ويؤكد "نحن كشركة نتعامل مع مطاعم معينة ونتلقى عمولة عن كل وجبة بمقدار ألف دينار عن كل شخص سواء تناول الطعام أم لم يتناوله في المطعم وهذا يجني لنا فوائد جيدة".
برنامج بـ 40 ألف دينار؟
"من غير المعقول أن يتم طرح برنامج سياحي من واسط الى أربيل لمدة أربعة أيام بمبلغ 40 ألف دينار تتضمن تكاليف النقل والسكن مع وجبة افطار". يقول الشاب أمجد رشيد العزاوي الذي سافر مع زملاء له الى أربيل مع إحدى الكروبات السياحية في واسط مضيفًا، "اتضح لنا أن هناك سمسرة وتقفيص على السائحين بطرق متعددة منها، التقاط الصور إجباريا وبيع الصورة الواحدة بألفي دينار وهنا تكون العوائل مجبرة على شراء الصور بالعدد المطبوع وليس حسب طلبها، الدخول الى أغلب الاماكن الترفيهية مجانًا لكن صاحب الكروب يجبي ألف دينار عن كل شخص ويدعي أنها دخولية".
ويذكر زميله نجاح خليل "بعض الأماكن السياحية لا يصلها الباص فيتم استئجار كوسترات لقاء عشرة آلاف دينار عن كل شخص وفي الواقع هناك اتفاق بين صاحب الكروب وسائق الكوستر على أجرة أقل ومن هنا تأتي الفائدة لتلك الشركات وهي أرباح وفوائد غير شرعية لأنها جاءت من سلوكيات غير مهنية ولا اخلاقية".
ويدعو الجهات المختصة الى "حصر الكروبات السياحية بالشركات المرخصة رسميا لتتم محاسبتها في حال استخدمت هذه الاساليب الرخيصة".
جردة حسابية..
إذا كان الكروب السياحي يتكون من باص واحد سعة 40 راكبا، يتناول الكروب خلال مدة البرنامج أربع وجبات غداء ومثلها وجبات عشاء فيكون مجموعها ثماني وجبات للمسافر الواحد، عمولة صاحب الكروب ثمانية آلاف دينار عن الشخص الواحد ويكون مجموعها 320 ألف دينار، هذه عمولة المطاعم فقط.
أما عمولات الصور فلنفترض كل شخص يلتقط صورتين تباع الواحدة عليه بألفي دينار وأن سعر الواحدة في الحد الاعلى 500 دينار فأن ربحية الصور تكون ثلاثة آلاف دينار للشخص وتصل الى 120 ألف دينار عن الكروب الكامل.
ولنفترض نفس المبلغ يتحقق عند دخول "بعض" الاماكن الترفيهية التي هي بالأصل مجانا، ومن النقل الداخلي تتحقق عمولات مماثلة كل ذلك يصب لصالح صاحب الشركة أو الدليل السياحي على حساب المسافر الذي اغرته الاجور الزهيدة لتلك البرامج دون أن يعلم الوقوع في حبائل الكومشنات التي غزت السياحة وأفقدتها عذوبتها.
يقول نجاح إنه "رغم هذه الامور التي تفرض على السائح، لكن الأكثر قسوة هو التأخير الذي يحصل في السيطرات عند العودة وهذا كله أحد تداعيات كورونا الذي أجبرنا على الرضوخ الى السياحة الداخلية على العكس من السياحة الخارجية خاصة ايران التي نقصدها سنويًا فأن الامور تسير بصورة جيدة ودون أي معرقلات أو شعور بالابتزاز وتحصل تلك الاريحية حتى مع نفس الشركات التي "قفّصت" علينا في كردستان بينما تعاملت معنا بود أثناء سفرات ايران".