TOP

جريدة المدى > عام > صهيل الجسد وإيقاعاته

صهيل الجسد وإيقاعاته

نشر في: 14 نوفمبر, 2020: 06:07 م

ناجح المعموري

لا يستطيع الشعر إغفال مكونه وتمركزه عبر تنوعات طاقاته البنائية الممنوحة له من الأسطورة، حتى تحول لاحقاً أسطورة تغذي بدئيتها وتمنح لحظتها الأخيرة بهاء الشعر.

ودائماً مايكون الحضور الشعري مبتدئاً وكأنه يزاحم الأستهلال ويزيحه ويتوج الفاتحة طاقة البدئية وسيادة أحلامها التي ارتضت بالتسلسل لحاضر ارتضى ، لاأجمل منه وحاز اسمه صفة منحت كل ماتركه وراءه جمالا ظلّ ثابتاً . الحاضر الثالث ، المتكرر، المنفتح على راغب به محتف بكل مروياته .

بدئية عناصر نظرية الخيال الباشلاري لن تغادر عنونة النص ، بل باقية ، وثبوتها معاني ، واتساعات للفحص والتأويل الذي قال به ابن عربي ،وانفتاح حدوده ما دام الخيال باقيا ويتفعل ،بالأضافات " أصابع حبّاتها المطر ".

الدخول الى ثنائية الجندر غير مباشر ، بل مرموز له . وطاقة الحضور للنازل من الأعلى ، والتمرد عاصف مدوّي ، لم يكتف بالهطول بل استدعى كل ما تصطخب به السماء من ريح وبرق ورعد ، كل هذه المسميات رموز تحوز واقعية في لحظة التفجر وينهمر ماء السماء الذي اختزنته بسوادها ، وحفّزت اللائذ من التهطال بالتهطال وتشتدّ عربدة الجسد وصهيل النداء وتدفق بلل لاتكرهه الدنيا ، بل تشتهيه الحياة ويسعدها فعل الأحتفاء ببعض التماثل بين السماوي والأرضي ، ويتحول الرمزي المثير الى متعارف عليه ومتداول .الفعل واحد ، ما تقوم به السماء ، وما تخضع له الأنثى .

السماء مذكر ، ما يهطل منها ماء ذكورتها التي فتحت الأرض لها فخذيها . والأنثى خاضعة ، ملتصقة ، ولحضورها تجسّد في الدفء المعجون بالرعد والعصف والريح الصاخب بقوة جسد الذكر والأنثى المهيمن عليها منذ اللحظة الأسطورية، وظلت حالمة بالأخضاع كي تمنح للحياة ما خلقت من اجله، على الرغم من انها ملاحقة بسرديات العنف ، حتى في أنّ اللذة التي يبتكر الفحل قوته فيها .. لحظة الأندماج القاسية . الأنثى صامتة في البدئية علاقتها مع الطبيعة ، لاترى في الليل ما الذي يفعله الأله السماوي المقدس ، لكنه يجوس بفيضانه وطوفانه فوق الأرض ، ومثل ذلك الطوفان عنف وسعادات .

حدّدت صورة السماء الهاطلة ما ظلّ كامناً في ذهن الطفلة وظلّ ينمو كلما كبرت قليلا فتغذيه من أرض لها جسد كونيّ حتى صارت مثالاً واقعياً . نابضاً بالطبيعة والأحتفال المشع في كل مكان ،وتحول عنف المقدس السماوي الى ابتهاجات خضراء .

و " أصابع حبّاتها المطر " سردية عادل الياسري المستعادة صورتها ، الباقية في خزّان مروياته والمحتفلة بالاستعادة ،وكان الشاعر يعيد الأنشغال غير المعطّل عن فعل السماء التي لم تكن مثلما تعرّف عليها أول مرة .

ولأنّ السماوي يهطل ماء القلب ، وهو إله مذكّر ، فرض على الحياة صورته الرمزية التي ارتضت بالبقاء نازلة للأسفل ولذلك ظلت تعيش في ذاكرة الأنثى كلما رأت ماء نازلاً. والمثير في انفتاحات هذا العنوان هو التعدد على الرغم من التماثل 

" أصابع " هذا ما فعلته السماء / الأله وهو يزاول اتصاله الأدخالي بالأرض " ويطربسها بالنزول . الأصابع محدودة العدد لكنها دالّ على الكثرة والغفرة ، بحيث تتسع لأستيعاب كل الرجال والكون ، والسماح للكائن أن يكون متماثلاً وهو يطرح ماءه نازلاً في أرضه المظلمة .

النص آيروتيكي ، فيه نبضات جسد الأنثى وتوترات فحولة جائعة ، تريد وانتظرت .ومثل هذا الأنتظار حلم ، يتشارك فيه الأثنان ، كل منهما يريده والمذكر وحده يعلن رعداته وعصفاته ويرى ما يتبدّى على الجسد الغافي وسط نداءات خافتة . لأنّ اللحظة للمذكر. والسبب هو يزاول الطقس البدئي 

تأخذني الأيام به 

لأمكنة تكسّر الخوف تحت ظلالها

اشتبك القطا والأصابع

علّ في أطرافها ملح الليالي

أو زهرة تلألأت حبّاتها أوّل المطر

رامبو هذا النص ما سكن بالذاكرة البدئية ، الهطول والأدخال والأشارة للعنف . فالخوف غير قادر على التستر الذي سببه الكمون في الظلال ومثل هذا هو الحضور اللّذي بين الجسدين المجنونين للذهاب نحو اللحظة التي يستعيد الذكر سطوته ، لأنه يمتلك ما فقدته الأنثى وحاز ما جعله متباهيا ومفتخرا .

وارتضت الظلال وجود القطا والأصابع / الذكورات التي تجدد افعالها لتحس برفرفات القطا وارتعاشته ، في المخيال الشعري احتمالات تساقط رائحة الملح التي هي قوت الأرض ، وجمال الأنثى :

أو زهرة تلألأت حبّاتها أوّل المطر

اليانع وتوهج الأنبعاث ماثل امام من يرى الآن مني السماء فجّر كل ما هو كامن ، والأصابع لها فواصل مطرية . كل الأصابع وأنا أعني بها أصابع اليدين ، انهما ممثلان للجندر ، المذكر والمؤنث ولأنّ الأسطورة حاضرة بطاقتها السرية التي عرفها وما زال الشعر المغذية له ، فانّ بلاغتها بالمعنى توميء لمن اقترن بعلاقة معها ومثل هذه العلاقة لا يعرفها بالتفاصيل الاّ الذي تغذى بالميثولوجيا والأنثروبولوجيا ، وأنا مقترب كثيرا من الأسطورة وأهم مجالاتها ، لذا وجدت بأنّ 

" أصابع حبّاتها المطر " هي تنوعات اسطورية ، وما دام العنوان هكذا فأن الأصابع يمنى وأخرى يسرى .والأصابع اليمنى رمز ذكوري واليسرى انثوية، ووجودهما في جسد واحد يعني بالميثولوجيا مجاورة بين الجندر وبينهما تداخل وتعاشق . ولذا فأن اليمنى ممثلة لسلطة الفحل واليسرى للهامش والخضوع الذي كرسه خطاب الذكورة وأشار الى التبادل اللّذي والممثل لحركة الكينونة كما قال ابن عربي ، ومن الضروري للعالم ان يتمكن من اكتماله وحيازة عناصره المكونة له وهذا يتطلب أنّ الوجود / الكينونة متمكنة ومكتملة بالمعرفة . لذا فأنّ حضور العالم هو العقل المتبدّي بكل ما اتصل به العالم من قيم وأفكار ومفاهيم .

النصوص الأيروتيكية المتغذية بالماضي الأعمق والأقوى والذي تجوهرت به الأم الرمزية / الأرض / الطبيعة هي ذات أصل مكين فيه الروحي قوي ، لايغادر شفافية العالم الذي فيه .

" فما كمّل الوجود الاّ المعرفة ، الاّ العالم ، ولا ظهر العالم الاّ عن هذا التوجه الألهي عن شيئية أعيان الممكنات بطريق المحبة للكمال الوجودي في الأعيان والمعارف . وهي حالة تشبه النكاح للتوالد (........) فكان النكاح أصلا في الأشياء كلها . فله الأحاطة والفضل والتقدم ./ فريد الدين زاهي / ص 26

للنجم الذي أحببت 

ليس من شبه

نقشا سومريا تزخرفه الحاءات 

نايا على الوجه 

خمرته توهجت 

مرآته الماء

في سحب الشتاء لها مسلّى

في قصب نسجنا الجلود من سيقانه 

الأغنيات صبايا وبساتين .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram