طالب عبد العزيز
أنت، لن تعبر الجسر بأغنيتك الأولى، وهذا، أصيص الزهر، لم يعد يمنح النافذة ما يناسبها، هناك، خللٌ ما في ترتيب أرفف الحلم على الوسائد الجديدة، وما ننتظره في لحظة التأويل، لن تفصح عنه سطور الرواية، في الصفحة الأخيرة، الناشرُ يبيعُ أحجيةً، والى حيث يقودنا الإسفلت، ستكون لنا طاولة ومقعدٌ، نحن، نستعيدُ أناقة الشارع بقبعة زرقاء، في يوم ماطر، بلقلق على منارة المسجد، حيث يبدو الهلاُل زورقاً في عين الريح.
العشب يغيّر لون الرصيف لأنكَ أهملتَ اللوحة، ولم تكمل ابتسامةَ إعجابك بالأيّل النائم في حديقة المتنزه، تركتهُ في أعين السيّاح طريدةَ فضولهم، فيما الماءُ يؤثث وعاء الزجاج، يضاعف صبر السمكة الوحيدة فيه، وظلَّ المصباحُ وحيداً في حقيقة الضوء بالشرفة البعيدة، يؤنسهُ صمتُ أرغن، فيما يحتضن البلاطُ رنةَ قيدٍ أصفرَ، أحكم عقدته على حشد المفاتيح فيه، وهذه الأغنية ترتدُ ثانية وثالثة في عنق الكمان، والى حيث تتوقف مركبات العائدين من الليل، الخارجين من مراقص وحانات (جيل تولوز) والنافرين من مثلثات (كاندنسكي) لا أروّضَ الحكمةَ في كتاب، ولا أحملُ على ما أدبرَ في المعاني، أنا أفتح يدي حسب، أمررُ أصابعي على المباهج، حتى إذا صارت عشراً نثرتها، هذا ما أفعله كل يوم، يؤانسني، إنَّ من شجرة في باحة المبنى المُتَوهَمِ، ينبعثُ طائرٌ بجناحين من ماء وسوسن، لكنه يحتجبُ ساعة أكونُ وحيداً.
أمسِ، حين تركتِ مِقعدَك في صالة المسرح، شيءٌ ما تغيّر في أداء الممثلين، حتى، أنَّ احدهم لم يأتِ على ذكر اسمك في مشهد النخل والماء، شيءٌ ما يتعطل في ذاكرة الورد، عند كلِّ غياب لك، وهذه الشجرة، التي تومئ للريح، أدركها عطرُ قميصك فأوشك الفجر أنْ يقول شيئاً، لكنه، انتهى بيد الشمس سريعاً، تناهبته الستائرُ، ثم أنه أخذَ النسوةَ الى المستحمات، وها، هنَّ يجففن شعرهن وأكتافهن عليه. لا، لم يبق منه شيء للغد، هذهِ الصباحاتُ ارتضت بالشتاء سريراً خلف نافذة مغلقة، خزانة ثياب لم تفتح من عامين، وتبعث منها رائحة رجل، ما زال نائماً بمقعده في قطار تقاطعت السكك عليه.
الحقيبةُ الفارغةُ لن تحمل صاحبتها بعيداً، هي تؤرجِحها حسب، فالنهرُ ما زال نائماً تحت الجسر، لم توظه مركبةُ الصبيّات الطالبات، ثمة ما يتقصفُ من خطى الشارع بأقدام الغيب، تتبعتُ ما استحدثته الجدرانُ من الظلال الى مُفْضَى الماء، فلم أجد أحداً هناك، كان الوقت عالقاً في الحليب والارغفة، في الاقلام والمماحي الكثيرة، ومن أريكة عتيقة عند مخزن بائعة الدانتيلا،في الجادة العريضة، غير المسماة ، تنبعث رائحةٌ تشبه النفتالين، لعلها قنينة خمر فارغة كانت. هناك، من حمل المعنى الى المقبرة، فرّقهُ على الشواهد والاسماء .
مثل أكثر العالقين في الطريق بين المُتوَقّع والمصادفة، انسبُ ليدي أنها كانت على علم بفقدك، وأنَّ المصادفة لن تُؤتى ثانية لي عند مخزن بائع الكتب، حيث وجدتك، وأنَّ ما يباعدُ بيننا أوسع من بحر محيط، وأننا لن نلجأ لذات الأغنية، ولن نحتكم الى قاضي الجذب العام، إذا هناك دائماً، من يحررُ الصفحةَ الأخيرة، في الكتاب الاخير، يستبدل العناوين والأسماء والأمكنة، ويمتلك الحق في حذف القبل والعناق الطويل من المشهد.