علي حسين
كنت أنوي أن أخصص عمود اليوم للحديث عن فيروز وهي تدخل عامها الخامس والثمانين، المطربة التي غنت للعشق وللهوى وللأوطان والتي لم تكن مغنية فقط، بل فنانة تدرك أن الفن جزء من نضال لا يموت، يستمر ليهز وجدان الناس ومشاعرهم، إلا أن الخراب الذي يحيط بنا من كل جانب وتعنت الساسة وعنجهيتهم، وضحك المسؤول على مآسي الناس، كل ذلك يجعلني أعتذر من صاحبة "رجعت الشتوية" لأن بوادر شتويتنا أغرقت بغداد والمحافظات.
خلال سبعة عشر عامًا أضاع علينا "المجاهدون" أهم ثروات هذه البلاد، المال والقانون، وأغرقونا بشعارات وخطب ومعلقات عن الامبريالية التي تقف حجر عثرة في اصلاح مجاري العاصمة ، وعن الصهيونية التي تصر ان تبقى شوارع العاصمة مكبا للنفايات ، اليوم من حق المواطن وهو ينظر إلى مشاهد الخراب أن يتساءل: ماذا فعل السادة المسؤولين بمئات المليارات التي حصلوا عليها، من أموال النفط؟ أين ذهب أكثر من تريليون دولار من واردات النفط ؟، يقولون إن مصاريف الرئاسات الثلاث تتجاوز التريليون دينار، فيما يعيش أكثر من 40 بالمئة من الشعب تحت خط الفقر.. قبل أشهر استفزني كتاب للمعماري موفق الطائي "بغداد جنة مع وقف التنفيذ"، خصوصًا أن الرجل يتحدث بالوثائق عن المشاريع التي قدمتها خيرة العقول العراقية لتطوير بغداد، لكنها حوصرت بعقوق سياسييها الذين يكرهون بغداد!.
منذ أن عاد موفق الطائي إلى بغداد عام 1947 من زمالة دراسية في بريطانيا، قرر أن يفعل شيئًا عظيمًا لـ بغداد، رافعًا شعار: فلندعها تزدهر. كان موفق الطائي وفيًا لأساتذته الكبار، محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعهم الجيل العملاق، قحطان المدفعي وإحسان شيرزاد، ومعاذ الآلوسي وإحسان فتحي ومحب الدين الطائي ونوري محمد رضا وهشام المدفعي، ونزار علي جودة وقحطان عوني وسعيد علي مظلوم، وعبد الله إحسان كامل، ومعهم العشرات يملؤون بغداد ومدن العراق، بحضورهم وصخبهم، لم يبق اسم "لامع" إلا وأراد أن يضمّ إلى سيرته، منجزًا يقدمه إلى بغداد. في كتابه يوجه موفق الطائي نداءً صادقًا "حافظوا على بغداد" حيث يطلب منا أن لا ننسى وصية معلمه محمد مكية التي كتبها قبل وفاته بأيام "استمعوا إلى بغداد.. أصغوا إلى صوتها كثيرًا.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل".
ذات يوم كانت بغداد منارة، تتلاقى فيها الحضارات وتتنافس عليها الأحلام والآمال.. ذلك عصر كان منظروه يريدون لبغداد أن تكون مدينة متعايشة، متسامحة، والأهم مدينة بعبق بألوان الفرح والحياة ، ولم يكن يدور بخلد هؤلاء أن تتحول المدينة إلى خرائب تغرق بسبب غياب " خالد الذكر" نعيم عبعوب !
جميع التعليقات 1
Anonymous
اذا اراد الله ان يمتحن مدينة..يتزل عليها مطرا..فاذا كانت مدينة عامرة نجحت بالامتحان..واذا مدينة مهملة فشلت بالامتحان.. فماذا نقول عن بغداد بعد اول يوم ممطر ؟؟ انها قطعا مدينة فاشلة بسبب من توالوا على ادارتها. الاستشار ي محمود الجبوري