علي حسين
الجدل الكوميدي الدائر في أروقة البرلمان ومن على شاشات الفضائيات حول جنة العراقيين الموعودة والتي أطلق عليها تبركًا وتيمنًا اسم "قانون جرائم المعلوماتية" يجب أن يتوقف، لتحل بدلًا منه مناقشات حول الخراب الذي حل بالبلاد خلال السنوات الماضية، ومن المتسبب في ضياع مئات المليارات من أموال الشعب في مشاريع وهمية لم تر النور، علينا أن نتساءل :
كم مشروع وُضع له حجر الأساس، ثم تبين أن الأمر مجرد فصل من مسرحية كوميدية لن تنتهي؟، كم مرة سمعنا بأن هذا العام هو عام الاستثمار؟، من ينسى المالكي وهو يبشّر بأن عام 2008 سيكون عام الخير والرفاهية؟.
حكايات كثيرة يضمها ملف الفشل العراقي، ففي كل عام نسمع الأسطوانة نفسها ، وهي تردد ذات النغمة "هذا عام السعادة" لنكتشف في النهاية كيف تدفن أحلام الناس ومستقبلهم تحت ركام التصريحات والقرارات القرقوشية. السادة النواب المنشغلون بقانون " جرائم المعلوماتية " وقبله الدعوة لتنصيب فقهاء في المحكمة الاتحادية، وقرارات وقوانين الهدف منها تضييق الخناق على حريات الناس، إنما يمارسون مهمة التشويش على عقول العراقيين بجمل وكلمات وعبارات صماء عن الأخلاق التي ستهدر لو لم يتم التصويت على جرائم المعلوماتية .
المواطن البسيط لا يشغله الصراع الدرامي الدائر داخل البرلمان بين جماعة أبو مازن وجماعة الحلبوسي، ولا تهمه الانتخابات التي تروج لها أحزاب السلطة، المواطن مهموم بقوت عائلته وأمنه وحريته التي لن يتخلى عنها بعد أن عاش عقود طويلة في ظل الدكتاتورية والاستبداد.
دعونا نفترض أن البرلمان استطاع أن يمرر قانون جرائم المعلوماتية، وقرر النواب أن يبدأوا مسيرة الأخلاق الحميدة، فهل تعتقدون أن مشاكل العراق ستختفي بغمضة عين ، وأن آلاف الشباب العاطلين عن العمل سيجدون لهم مكانًا في بناء العراق؟.
يخوّفون المواطن دائمًا من القوى المدنية التي تريد نشر الإباحية، ويستخدمون الأخلاق فزاعةً مضمونة التأثير على البسطاء : لا تتكلم، لأن الكلام حرام في حضرة القادة "المجاهدين". لا تطالب بحقوقك في الدنيا فهي مضمونة في الآخرة لأنك صبرت طويلًا، لا تتحرّك، لا تذهب أبعد مما يحدده لك الساسة، لا تحتج فهذا يسيء لسمعة العراق.
على هذا المنوال، تشتغل ماكينات أحزاب الفشل، لإنعاش الخوف والفزع في صدور العراقيين، وتهديدهم بالهلاك، إن هم استجابوا لنداءات الدولة المدنية.
في كتابه "الطاغية" يكتب المفكر المصري، إمام عبد الفتاح إمام، وهو يتحدث عن الأنظمة التي تفشل في إسعاد شعوبها بأنها: "تعمل على تدمير الإنسان، وتحطيم قيمه وكرامته، ليتم تحويل الشعب إلى خيال مآتة، شخصيات تطحنها مشاعر العجز واللاجدوى".
في كل مرة حروب بلا نهاية ، والخلاصة يامولاي المواطن العزيز تتطلب منا ان ندرك جميعا ان لا بديل عن الدولة المدنية وحرية التعبير .