ناجح المعموري
سلافوي جيجك أحد ابرز الفلاسفة الذين كتبوا عن فايروس كارونا . وما وفّره لنا الأستاذ علي حسين الاطلاع عليه ،
من كتابات العديد من النقاد والفلاسفة ومن بينهم اسماء شهيرة ومؤشرة ولعل من بين هذه الاسماء جيجك الذي توفر لنا فرصة مهمة للاطلاع عليه عبر ما أعده الشاعر نصير فليح . والاطلاع على ما كتبه وانتبه الشاعر نصير فليح للتذكير بأحد أهم اصداراته الفلسفية وهو " شجاعة اليأس " حيث ذكر الفيلسوف بأن العالم ينتظر حدوث كارثة كبرى والعودة الى كتبه الصادرة وهي كثيرة جداً يقترب المتلقي مما كتب من خلال عناوين بحوثه الفلسفية التي لم تتوقف هادئة بل هي متوترة منطوية على كشوف مثيرة للخوف ومؤكدة على سيادة العنف ويعني به ما احتاج العالم بعد 11 ايلول وكذلك عنف وقسوة المؤسسة الرأسمالية . لذا أنا اعتقد بأن شجاعة اليأس تمثيل لما سيحل بالعالم بعد كتابه هذا .
وتأكد تحققه بغزو كورونا . لغة جيجك الشعرية تنطوي على تصور كاشف للمتكتمات المجارية فالفايروس خلّف عواصف من الاحباط والفشل والدمار في النظام الرأسمالي ، لكن العولمة واقفة بشجاعتها المعهودة لتجدّد شبابها والذي ليس سهلاً ، مثلما حصل بعد أحداث 11 أيلول 2001 وأكد جيجك بأن فايروس كرونا سيهد النظام الرأسمالي وإنهاء الحضور القوي للدولة القومية التي شاعت في أوروبا ، حيث ظهرت هذه الدولة هزيلة وضعيفة ولم تستطع الحضور القوي والذي يستوجب وجود نظام سياسي واقتصادي قادر على مقاومة المحتمل لقد أشار جيجك أن الكارثة الجديدة التي من المحتمل أن تكون مكشوفة من خلال الأحداث المعقدة والتي تضعنا وجهاً لوجه أمام أزمة شاملة تجعلنا نتوسل بشجاعة لمواجهة لليأس ، لكننا سنكتشف نوعاً من التورط وصعود شراسة الرأسمالية المواجهة لانهيارها . وسيظهر الإنسان أعزل في حرب تركه النظام معزولاً ولا يدري ما يفعل ، أمام التقسيم القوي وبين من يستحق العلاج وبين المساهم بحشود القطيع وكأن الرأسمالية تمتلك قراراً هو لديها . ويدنو جيجك أكثر من السؤال المثير للمخاوف وهو اين تقف الرأسمالية اليوم ؟ لقد مرّ عقدان على سقوط جدار برلين ولم تأت الرأسمالية بالمدينة الفاضلة ، التي أمل الناس بها ولم تسلم الاشتراكية أيضاً من جيجك هو يراها فاشلة ويقول " هناك فوضى قادمة في الكون ، لكننا لا نريد الاعتراف بانها ستحدث .
ما فرضته كورونا على البشر من عزلة ارتضوا بها وصارت نوعاً من السجن لكن الفرد وجد نفسه متحمساً لمزاولة كل ما يستطيع عليه من أفعال داعمة للآخر ، لكن فعروضات كورونا على الأفراد امام استعداد دعم احدهم الاخر ، يرضى كل منهم ان يكون بعيداً عنه ويشعره بالعزلة المهمة والضرورية : ولم يخف جيجك تفاؤله بأن يحدث هذا السلوك تغييراً عميقاً ويستمر حتى بعد انقضاء الأزمة وتحدث جيجك عن شجاعة اليأس التي قال عنها بأنه يشعر بكل اعراض فيروس كورونا ، لكنه ظل قوياً ومتحدياً لها ويزاول نشاطه لأن نتائج التحليلات سلبية . والمثير لديه انه خسر متعة الذهاب الى محلات بيع الكتب " في المكتبة تذهب للبحث عن شيء ما وكثيراً ما تعود بشيء ، فلا يمكن استبدال شيء بالمكتبات ومن الخطير جداً أن تدفعها الأزمة الى أن تجثو على ركبتيها . يثير هذا المفكر أسئلة عديدة واكثرها حضوراً وتحفيزاً الاسئلة الساكنة في الفلسفة ، بحيث تكون رحماً لها ، لأن غياب ، أو صمت الأسئلة يعني تعطل الفلسفة تماماً لذا تعامل معها دائماً على أنها سؤال قائم ، غير منتهٍ ولا يفصح ــ السؤال ــ عن معنى او مفهوم مكتف بما يشعر اليه . من أجوبة ومفاهيم عديدة وافكار متنوعة .
كتب سلافوي جيجك عدداً مع الآراء الصحفية اليومية مواكباً التحولات السريعة التي تحصل باستمرار ويكاد ان يكون اكثر الفلاسفة تواجداً في الحياة اليومية وكان مبكراً في توقع حصول كارثة كبرى ، ووباء عاصف ، سيعيد ترتيب الثوابت والمحكومات عبر أنظمة أسستها العلاقات والتواترات . ولذا لم يستغرب عن العلاقات المتغيرة بسبب الوباء وسط الفضاء العام والذي فكك العلاقات وثوابتها التي كانت تمركزات ذات ثقافة لها عمر طويل ورثته الأجيال من طفولتها المبكرة ، مثال ذلك التنزه وسط الحدائق واختيار المقاعد والتجاور مع الآخر وتنمية الثنائيات . ولعل أكبر خلخلة حصلت في الفضاءات العامة هي التباعد والعزلة والحرمان الحسي الذي تستولده الحدائق والجلسات والمصافحة التي هي بوابة الدخول بالتعرف على الآخر والتبادل معه بما ممتلك لديه . ولأن الأنثى ممتلكة . وأكد على أن العالم الافتراضي هو الأكثر أماناً وسلماً ، على الرغم من أنه ملجأ أيضاً بالفايروسات وربما يقل التنقل بحرية وبلا خوف وقد لا يتحقق إلا للاغنياء في مساحة مفتوحة على الجزر التي يملكونها .
كتب قائلاً : إنه على الرغم من أن المواطنين الآن أكثر عزلة ، فإنهم باتوا أكثر اعتماداً على بعضهم بعضاً ، كما يعيشون ضرورة متناقضة بتمثل من إظهار التضامن من خلال عدم الاقتراب من بعضهم بعضاً ، ولم يخف جيجك تفاؤله بأن يحدث هذا السلوك تغييراً عميقاً ويستمر حتى بعد انقضاء الأزمة . ولم تكن ظاهرة استثمار للفراغ وهو في شقته وهي العودة الى هيغل ، ليخبرنا عبر ذلك بأن العقل كان وظل حاضراً وقادراً على استثمار امكاناته في قراءة وتحليل الظواهر الكبرى والتي لم يألفها الانسان المعاصر ، ولم تعرف النظم واندهشت بها الرأسمالية التي كشفت عن عناصرها ونظمها التافهة التي قال عنها آلان دونو " في كتابه " نظام التفاهة : نحن نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة ، تتعلق بسيادة نظام ادى تدريجياً الى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة . الحديثة وعبر العالم ، يلحظ المرء صعوداً غريباً لقواعد تتسم بالرداءة والانحطاط المعياريتين فتدهورت متطلبات الجودة العالية وغاب الأداء الرفيع وهمشت منظومات القيم وبرزت الأذواق المنحطة وأبعد الأكفاء وخلت الساحة من التحديات ، فتسيدت إثر ذلك بشريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذي البساطة الفكرية وكل ذاك خدمة لأهداف السوق بالنهاية ، ودائماً تحت شعارات الديمقراطية والشعبوية والحرية الفردية والخيار الشخصي .
هذا الوباء المهدد لمصائرنا هو اخطر ما تعرفنا عليه نحن كبار السن الاكثر خوفاً منه ومطاردة كبار حرم علينا رؤية الآخر في الشوارع والزمنا بالتعامل مع السجن بوصفه بيتاً لنا واختيار صديق واحد ننصت له وهو يتحدث ، انه التلفاز . لقد خسرنا الكثير مثلما قال آلان دونو وهو يصف مصائرنا الآن . الوجود في المنزل يمنعنا من حضور الفعاليات ، والتوقف عن الانخراط في الحوار مع الاخرين . إن الفعاليات المرخص بها ، هي تلك التي ينظمها التلفاز ، والتي ترفد بمشاركة بعض المجاميع وفق ما يتطلبه الحال قال الاستاذ نصير فليح إن الاحداث التي تجري في العالم هي وحدها القادرة على توليد حقائق يستطيع الإنسان كشفها لاحقاً . هذا ما قاله آلان باديو ونقله لنا نصير فليح . وأكد باديو بأن الشروط هي المجالات الحيوية في الحياة والعالم ، لأن الفلسفة مشروطة بهذه المجالات وهي العلم ، والسياسية والفن والحب . هي الشروط الجوهرية والحيوية والتي لا توجد الفلسفة بمعزل عنها لأن غياب الشروط أو المجالات تتحول الفلسفة الى سفسطة ، بمعنى إن الفلسفة خطاب غير مستقل ومتأخر او لاحق بالنسبة للأحداث والمعطيات التي تستدعيه . هذا الرأي الذي لم يذهب إليه الأستاذ علي حسين وهو الأكثر ما يذكرنا بفلسفة كارونا . وتحدث هذا الفيلسوف بما هو مهم وخطير ، لكنه للأسف تجاهل تأثير فايروس كورونا على الحب وهذا أبرز تبدياتها . إنها عطلت العلاقة الثنائية بين النوعين . يعني توقف الحياة . هذا الوباء حدث خطير جداً ، وكل حقيقة تبدأ بحدث والذي جعله باديو متجاوراً مع الكينونة ، مخترقاُ بذلك مقولة هايدجر الاسبق .
قدم الأستاذ علي حسين الفلسفة بوصفها متعلقاً جوهرياً بالحياة وهذا ما ألحّ عليه باديو ، لذا قدم لنا حشداً من الفلاسفة اختار لها مائدة ولا أدري هل يتناسب معنى المائدة مع ما تتمظهر عنه كورونا . العنونة مثيرة وتعطي دلالة متناقضة ووجودها حاد للغاية .
الرأسمالية التي فرقت الدول وعطلت الحركة في الحياة وأوقفت المقاومة ، هي التي استحضرت داعش كقوة تجارية وذهبت لتدمير كل القوى الاجتماعية وكانت ملاحظة باديو ذكية ، عندما قال بأن الجهل الذي واجه الوباء بغباء ومعرفة هزيلة ، جعل منها قوة تدميرية كبرى وقف أمامها الجميع بشكل ساذج وبرزت الرأسمالية متخلفة وخسرت ما لم تتوقعه من قبل .