طالب عبد العزيز
تتشكل التجمعات البشرية، بمختلف صورها لتلبية حاجة ما، وبناء على متغير حياتي، فكانت القبيلة ذات يوم، وربما الى اليوم، في بعض المجتمعات نظاماً اجتماعياً، يهدف الى تنظيم حياة الناس، المنتمين لها، وكذلك كانت التنظيمات السياسية، والدينية، وسواها من النظم، عبر تاريخ البشرية، نتيجة حتمية لحراك إنساني، بلغ درجة ما في التحول أو في التطور، اقتضت الحاجة فيه الى تأسيس منظومة فكرية، تحميه، وترتقي به، وتخطط لمستقبله.
ومن الفكرة هذه نشأت الأديان والأحزاب والنظم الاجتماعية والسياسية الاخرى، وهي بلا أدنى شك، كانت مثالية، ذات يوم، وأدت الغرض المرجو من نشوئها، وهكذا، ظل الإنسان وعبر مراحل تطوره، يبتكر أنظمة جديدة تلبي حاجته، ويستحدث التنظيمات كلما تعقدت الحياة من حوله، في سعي منه لجعل وجوده فيها آمناً ومستقراً، ووجدنا أنَّ المشاكل والحروب تنشب كلما عجزت النظم تلك عن مواكبة التحولات، وأضحت غير مستجيبة للمتغير. وفي تحقق بسيط نجد أنَّ القتل لم يكن في طبيعة المخلوق، ولو وجدت النظم لذلك لما لجأ اليه أحد، بمعنى أن الطبيعة تخالف فعل القتل، لكنَّ نظاماً ما دعا لذلك.
وبهذا المعنى تقول القاعدة بأن الأصل الخير، والشرٌّ عارض وليس جوهراً، وفي الفقه يقولون: (الأصل الإباحة حتى يرد فيها نصٌّ) والنصُّ هنا هو النظام. وبناء على ذلك كله، نخلص الى أنَّ أي منظومة اجتماعية او دينية أو سياسية ينتفي وجودها إذا تقاطعت مع فكرة الوجود الحر للانسان ، وأصبحت خطراً يهدد حياة المخلوقات في المحيط العاملة به، ذلك، لأنها أصبحت تجد حياتها في نفي الآخر، وما فكرة الأغيار في الديانة اليهودية ببعيدة عنا، ويحدثنا التاريخ الإنساني، كذلك عن قبائل وتجمعات من آكلي لحوم البشر، أو تنظيمات نازية وفاشية ترى في الآخر خصماً يجب قتله أو التخلص منه بوسيلة ما.
أما آن لإنساننا العراقي والعربي بعامة أن يقف ويسائل التجمعات، التي ينتمي إليها، وأعني القبلية والدينية والسياسية؟ هل ما زالت الضرورة قائمة في وجود بعضها؟ بل ألا يشعر بالخطر المحيق به من بعضها المتغول؟ وبفكرة بسيطة، نقول: ما انتفاعي من قبيلة أفقد حياتي، أو حياة أحد أبنائي فيها، ذلك لأنَّ احد أفرادها قتل شخصاً من قبيلة ثانية؟ ما الجرم الذي اقترفته أنا لكي أقتل؟ ألا يكون الامر هذا كافياً لنبذ فكرة القبيلة برمته؟ ومثل هذه يمكننا محاورة فكرة الدين والطائفة، إذ ما زال بيننا من يرى في قتلنا، نحن المختلفين عنه تقرباً لخالقه وأجراً له، أما إذا أردنا الحديث عن فكرة الحزب الديني- السياسي فهو المشروع الكامل للقتل ونفي الآخر، وما حدث ويحدث في ساحات التظاهر ببغداد ومحافظات الجنوب إلا الدليل الصريح على ما ذهبنا إليه.
ها، نحن نسمع ونرى، ونحن الشهود الأحياء على مظالم أرواحنا وأجسادنا وضمائرنا، الواقفين عن قرب على صمت الدين والطائفة والقبيلة والحزب السياسي، عن كل ما يجري لأبنائنا من الملاحقة والقتل، بل، والأقسى من ذلك كله، أن ما يحدث إنما يحدث بأسم الدين والطائفة والقبيلة والحزب السياسي. ألا يرى العراقي بأنَّ الضرورة لم تعد قائمة للتجمعات هذه، بعد أنْ أصبحت خارج زمنه، وأنها باتت تهدد حياته ومستقبل أبنائه؟