عدوية الهلالي
تقول كتب العلوم لأطفالنا الصغار في إيضاحها لمفهوم (البيت) إنه يحمينا من المطر والبرد والحر والرياح ، لكن تحول العديد من المنازل الى أحواض سباحة وقت المطر والى أفران ساخنة وقت الحر وانقطاع الكهرباء وتحول كيان البيت ذاته أحياناً الى هياكل من الصفيح أوخيمة متهرئة يخترقها البرد وتلهو الرياح بين جنباتها ، كان لابد أن يخلق أزمة ثقة بين الأطفال وكتب العلوم ،
ومثلما فقد الأطفال الثقة في عودة الحياة الطبيعية الى مدارسهم وأماكن لهوهم فليس غريباً أن يفقدوا الثقة فيما تقوله لهم الكتب لأن الواقع العراقي تجاوز المألوف وخرج عن حدود الأوضاع الطبيعية التي تقدمها المناهج الدراسية للطلبة الصغار ، بل ليس غريباً أصلاً أن يتعرف الأطفال على مفهوم " الأزمة" لأن حياتنا ماعادت سوى سلسلة من الأزمات وهي الظروف والأحداث المفاجئة التي تهدد الوضع الراهن والتي تتطلب حتما وجود قدرة حكومية على إدارة تلك الأزمات والتغلب على الآليات البيروقراطية الثقيلة التي قد تعجز عن مواجهة الأحداث والمتغيرات المتلاحقة والمفاجئة ..أين نحن من كل ذلك ؟..لقد اعتدنا أن نستقبل الأزمة فقط ونعيشها دون أن نفكر في الاستعداد لها أو مواجهتها قبل حدوثها ..فقبل أعوام ، تحولت بغداد الى ( فينيسيا ) عراقية ، وألقي اللوم وقتها على أمين بغداد السابق عبعوب و( صخرته ) العجيبة التي اغلقت شبكة المجاري ففاضت الشوارع وانهارت المنازل وغرقت المركبات وتعرض العديد من المواطنين لخطر الصعقات الكهربائية ..وبعدها باعوام ، يعاد نفس السيناريو بأمطار أشد وخسائر أكبر وحوادث أكثر دون أن تفكر الحكومات التي تعاقبت على كرسي الحكم في معالجة الأزمة قبل حدوثها ..صحيح إن الخزينة أصبحت خاوية منذ سنوات ، والمشاريع الخدمية لاتعدو كونها حبراًعلى ورق وكل مايرصد لها من أموال يذهب تلقائياً الى جيوب المنتفعين من المسؤولين وأذنابهم ، وصحيح أن هنالك مايشغل الحكومات أكثر من مجرد إصلاح شبكات المجاري فهي مطالبة بالحفاظ على مواقعها في السلطة حتى لو سحقت مقابل ذلك آلاف الأرواح وملايين الأحلام والمطالب ، لكن ذلك لايعني أن يستمر الإهمال والحلول الترقيعية بينما يمكن أن تنذر الأزمة القديمة– الجديدة بخطر أكبر فيما لو تكررت الأمطار وتحول خيرها الذي كنا ننتظره وينتظره المزارعون بشغف الى ضرر وأذى وإنذار بخطر وشيك ..
ربما لم يعد البيت يحمي العديد من المواطنين العراقيين من الحر والبرد والمطر والرياح وقد ينهار أحياناً ولايتمكنون من إعادة بنائه فكيف إذا لم يعد الوطن – بيتنا الكبير – يحمينا من خطر تعاقب حكومات لاتعمل لمصلحتنا ولاتنقذنا من كل مايحاصر حياتنا من أخطار ومساوئ ..وكيف سيمكننا إعادة بنائه في ظل غياب الذمم الشريفة والنوايا السليمة والعمل الحقيقي وكل ماينبغي توفره لانقاذنا من الأزمات المتعاقبة ؟..