ترجمة المدى
يعد جاك دريدا من أهم فلاسفة القرن العشرين،وصدور كتاب يتناول سيرة حياته يعتبر حدثاً مهماً. يعتبره البعض ، مبتكر الفلسفة النسبوية المسؤولة عن أزمة الحقيقة المعاصرة.
وهو بالنسبة لمفكري اليمين المتطرف ، أحد مهندسي الماركسية الثقافية. وهو بالنسبة لنقاده الأكاديميين ، من اختصر الفلسفة الفرنسية إلى " مجرد موضوع للسخرية".و بالنسبة لمعجبيه ، هو من أشهر المفكرين والذي اتسع نشاطه الفكري ليشمل مجالات الأدب والسياسة واللغويات. في هذا الكتاب الجديد (An Event, Perhaps) ومعناه ربما كان حدثاً، يقدم المؤلف بيتر سالمون وهو كاتب استرالي يعيش في بريطانيا سيرة حياة هذا الشخص الذي أسيء فهمه وتمت سرقة أفكاره باعتباره مفكراً إنسانياً تحتاج إليه البشرية بشكل ملح في عصرنا الحالي.
وُلد جاك دريدا في الجزائر في عام 1930 ، وكان دائماً يشعر بالغربة عن محيطه . وعلى الرغم من جهوده الكبيرة ،إلا أنه وجد صعوبة في ترسيخ نفسه بين الوسط الفكري في باريس في الستينيات. ومع ذلك ، في عام 1967 ، غيّر مجرى الفلسفة:حين وضع الخطوط العريضة لمفهوم التفكيك. وعلى الفور ، نال لنفسه سمعة واسعة كمفكر معقد ومربك. كان لدى دريدا ، الذي احتفى به البعض ، وبغضه الآخرون ، مجموعة واسعة من الاهتمامات ، لكنه ، كما يظهر مؤلف هذا الكتاب ، تأثر برغبة عميقة في فهم كيفية تفاعلنا مع بعضنا البعض. إنه موضوع تم استكشافه من خلال علاقات دريدا الحميمة مع مفكرين من أمثال ألتوسير وجينيه ولاكان وفوكو.
يتميز هذا الكتاب بسهولة طرحه لأفكاره ، وبكونه مثيراً ، ومكتوباً بشكل جميل ، و يقدم قراءة جديدة لحياة وعمل فيلسوف سيستمر تأثيره على الطريقة التي نفكر بها لفترة طويلة في القرن الحادي والعشرين. إنه سيرة حياة تثير الإعجاب بفكر دريدا الرائع الذي لا نهاية له ، حتى عندما يكون في أشد حالاته تعقيداً ، فهو يعرض لأفكاره بصبر ووضوح رائعين. والكتاب ، يذكّر القارئ ، خاصةً في تناوله لأفكار دريدا حول الأخلاق ،من أنه يظل فيلسوفاً وثيق الصلة بعصرنا ".
"لم يتم الحديث عن حياة جاك دريدا أبداً بهذه الأناقة أو الشغف كما يحدث في كتاب بيتر سالمون الجديد. يدرك المؤلف ، كما لم يدرك أي شخص آخر حتى الآن ، كيف أن الحياة والفلسفة مرتبطتان جدلياً ، لكنه لا يرتكب أبداً خطأ الشخص المبتدئ في الفلسفة المتمثل في ترك الأولى تفسر الثانية بالكامل . إنه يروي بشكل مفصل كيف أن فيلسوفاً يهودياً عربياً من إحدى مستعمرات فرنسا، والذي طُرد من مدرسة الليسيه في الجزائر لكونه يهودياً بفضل قوانين نظام فيشي المتعاون مع النازية ، قام بأداء واحدة من أكثر عمليات التفكيك إثارة للإعجاب في التاريخ الفكري ، أي تفكيك ميتافيزيقا الوجود التي يقوم عليها الفكر الغربي. في نثر مبهج ، وغالباً ما يكون مقتضباً ، يساعدنا المؤلف على فهم دريدا بشكل لم يسبق له مثيل ،
لكن المؤلف كما يعتقد أحد معلقي صحيفة الغارديان يتحفظ بشكل محبط في الحديث عن نسيج حياة دريدا ، وكثيراً ما يعتمد في تبيان الحقائق أوالتخمينات على كتاب سيرة حياة درديدا الذي قام بتأليفه الكاتب بينوا بيترز وصدر عام 2014 ؛ لكنه قدم وصفاً حياً لدخول دريدا القلق إلى الحياة الأكاديمية. كان عادة ما يخفق في الامتحانات ، وعندما التحق في النهاية بمدرسة الأساتذة العليا المرموقة في باريس ، قدم أطروحة قال عنها أستاذه لويس ألتوسير: "لا يمكنني تقييم هذا العمل، إنه صعب للغاية ، وغامض للغاية . " كان دريدا في منتصف الثلاثينيات من عمره قبل أن يتحول عمله الدؤوب عن فينومينولوجيا إدموند هوسرل إلى شيء آخر: مطاردة مثيرة ، من خلال القراءة الفاحصة للأعمال الفلسفية المهمة ، لبعض الافتراضات المسبقة في فلسفة الميتافيزيقا ".
كان أسلوبه والمفاهيم التي يدعمها هي التي جذبت إليه الأوساط الأكاديمية الأنجلو-أميركية وخصوصاً مفهوم التفكيك - وهو الاسم الذي أطلقه دريدا على منهجه - و أو ربما تكون قد نفرتها منه .وقد كان أمراً مزعجاً ومثيراً للجدل ، خاصة في السبعينيات والثمانينيات. مع ترجمة أوائل كتبه مثل الكتابة والاختلاف وفي علم الكتابة إلى اللغة الإنجليزية ، شرع دريدا في حياة مهنية غير عادية عبر المحيط الأطلسي.و أصبح نجما بين الأكاديميين الأدبيين في الخارج أكبر مما كان عليه بين الفلاسفة في فرنسا. وأصبح عمله أكثر جرأة من الناحية الرسمية: كان كتابه البطاقة البريدية عبارة عن دراسة غامضة لسقراط وأفلاطون وفرويد ، وكان وصفاً مخفياً الى حد ما لعلاقته الطويلة مع الفيلسوفة النسوية سيلفيان أغاسينسكي.
يمنحنا الكتاب إحساس لطيف بالإثارة العلمية التي كان يتمتع بها دريدا ، وهوسه بالكتابة، والتوهم المرضي الذي عاش معه لفترة طويلة من حياته. حيث كثيراً ما كان يكتب قائلاً : "أشعر بالمرض الشديد ، إنها النهاية هذه المرة ، أشعر أن الموت قادم".كما يشير الكتاب أيضاً ،الى ما أسماه أحد الأصدقاء "بنرجسيته الطاغية".
كان دريدا قد مر في حياته بتجارب وجدالات فكرية مختلفه ، وكان يسخر من مواقف خصومه على النحو التالي: "أنت تسأل بنفسك أسئلة حول الحقيقة. حسنًا ، وأنت نفسك لا تؤمن بالحقيقة الى الآن ". لم يكن ذلك صحيحاً. كتاباته هي نموذج للقراءة الأكثر دقة - وجهداً متواصلاً في كيفية صنع الحقيقة والأكاذيب.
عن موقع ببليشر ويكلي