TOP

جريدة المدى > عام > يوميات سوزان سونتاغ (ولادة ثانية) بوح ذاتي وتورية كبيرة

يوميات سوزان سونتاغ (ولادة ثانية) بوح ذاتي وتورية كبيرة

نشر في: 30 نوفمبر, 2020: 06:50 م

قراءة: علاء المفرجي

يقول ديفيد ريف في افتتاح يومبات سوزان سونتاغ (ولادة ثانية) الصادر عن دار المدى بترجمة عباس المفرجي: لم تكن بي رغبة في أن أخطو هذه الخطوة أبداً.

لكن أمي رحلت دون أن تترك وراءها أي وصية فيما يجب عمله ، سواء مع أوراقها أو كتاباتها غير المنشورة وغير المنجزة .

قد يبدو هذا غير موافق لطباع مثل طباعها ، هي التي كانت تعنى كثيراً بعملها ، وتصقل من دون كلل ترجمات لأعمالها ، حتى في لغات لم تكن ملمة بها تماماً ، وكان لها دائماً معرفة وإطلاع واسعين بالناشرين والمجلات حول العالم . لكن برغم الآفة المهلكة ، سرطان الدم ، التي أودت بحياتها في 28 كانون الأول 2004 ، فإنها لم تتخل عن الإيمان بأنها ستنجو من المرض ، حتى قبل بضعة أسابيع من وفاتها . لذا بدلاً من أن تشغل نفسها بالتفكير كيف يهتم الآخرون بعملها ، لم تعد موجودة فجأة ، لتهتم به هي نفسها ــ كما كان سيفعل أي شخص اضطر أن يسلم بالموت . كانت تتحدث بثقة عن عودتها الى العمل ، وفوق كل شيء، الكتابة حال خروجها من المستشفى .

حرر ابن سونتاغ ديفيد ريف الأجزاء الثلاثة ليومياتها، ، فكان الجزء الأول بعنوان (ولادة ثانية )، والذي يبدأ مع العام 1947 ، عندما رحلت الفتاة المبكرة النضج البالغة خمسة عشر عاماً الى جامعة كاليفونيا ، حيث إكتشفت طبيعتها الجنسية الثنائية وروايات توماس مان . بانتقالها الى شيكاغو ، تزوّجت أستاذها ، فيليب ريف ، الذي انجبت منه إبنا ، قبل أن تتركه لتذهب الى اوكسفورد ومن ثم الى باريس . كانت استجابة النقّاد للهجة تبجيل الذات رواية الغمّ في ذلك الكتاب بمشاعر مختلطة ــ ربما الى حد ما بسبب رفض سونتاغ نشر دفتر يومياتها قبل وفاتها ، والى حد ما بسبب أن اليوميات المتحررة من القلق جعلتها تبدو تقريبا عادية . يغطي هذا الجزء الثاني الفترة التي أنتجت فيها المجموعة الرئيسية من مقالاتها وأدبها القصصي . حرّر ريف الجزء الأعمق من أفكار أمه بشكل طفيف فحسب ، مضيفاً في الأسماء ومصححاً أخطاء واقعية ، لكنه ترك للقارئ تعيين أي من اليوميات يمكن أن يشير الى أي من المقالات .

اليوميات هي بوحٌ ذاتي ، وتورية كبيرة . فإختارت ديفيد ريف ال يضمّن الكتاب الكثير من أحكام أمي الصارمة جدا . وكانت هي " حَكَما عظيما" كما يقول . لكن في سبيل كشف هذه الميزة فيها ــ وهذا اليوميات طافحة بالأحكام ــ كان من المحتم دعوة القارئ الى الحكم عليها . ف "واحدة من المشاكل الرئيسية في كل هذا ، هي ان أمي ، وفي حياتها المتأخرة ، بلا شك ، لم تكن بأي طريقة من الطرق من نوع الشخص الذي يفضي بمشاعره الدفينة."

تجربة قراءة اليوميات ، التي تقحم فيها ثانية كآبتها ، أشبه بالتنويم المغنطيسي . حين تجد سونتاغ حقا طريقا عبْرها ، فهو يكون نوعا من التدمير المبدع ــ إقتراح بـ ’’ تعليقات حول التعليقات ‘‘ ، كتاب عن الأقوال المأثورة ، ذلك الإسلوب المسْكر ، الحماسي الذي تبنته في شبابها ، والذي نبذته من ذلك الحين في سبيل رؤيتها التعددية في كتاب " حول الفوتوغراف " . (( كتابة أقوال ماثورة هي إتخاذ قناع ــ قناع من السخرية ، من التفوّق ، )) تكتب في يومياتها . هذا الكتاب ، مثل الكثير من إقتراحات سونتاغ ، لم يُكتَب أبداً . وكما تكشف في يومياتها بوضوح ، فإنها سخّرت جزءاً صغيراً فقط من عقلها لإنتاج الكتابة التي رأيناها حتى الآن ؛ الباقي هو لاوعي .

ولم يتردّد ريف حين قررتُ أن ينشر يومياتها، بإستبعاد مقاطع ، كانت ستضع سوزان سونتاغ في ضوء معين ، أو تبرز صراحتها الجنسية ، أو قسوتها أزاء بعض الذين وردوا في اليوميات ، رغم أني عمدت الى إغفال الأسماء الحقيقية لبعضهم . عدا هذا ، كان مبدأ ريف في الإختيار خاضعاً لإحساسه بأن هذا العري وهذه البساطة ، كانا السمة المميزة لهذه المقاطع ، التي تقدم سوزان سونتاغ إمرأةً شابة ، والتي أدّت ، عن وعي وعلى نحو عاقد العزم الى خلق الشخصية التي كانت تبغي أن تكون عليها ، وكان هذا أكثر ما يُبغض في اليوميات . لهذا السبب ، اختار أن يضع لها عنوان " ولادة ثانية " ، الذي إقتبسه من عبارة تظهر على رأس واحدة من اليوميات المبكرة . وبدت هذه العبارة إنها تلخص ما أرادت أمه الحديث عنه منذ الطفولة فصاعداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

هيباشيا

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

مقالات ذات صلة

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)
عام

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

نجاح الجبيلي تعد جائزة بريتسكر للهندسة المعمارية إحدى أرقى الجوائز العالمية وبمثابة نوبل للعمارة. وهي جائزة عالمية تمنح سنوياً تقديراً "لمعماري أو مجموعة من المعماريين الأحياء الذين تُظهر أعمالهم المُنجزة مزيجاً من الموهبة والرؤية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram